الدين والحياة

كتب رؤوف جنيدى

بين الحسابات المادية البحتة التى يغرق فيها العقل . وبين الأمل فى الله المفعمة به القلوب . حارت عقول الشباب وبات معظمهم غير قادر على الإقدام على أهم خطوة فى حياة المرء . والتى ما خلقنا الله إلا لعمارة الأرض من خلالها ألا وهى الزواج . فالعقل غالباً ما يلوح لصاحبة بالورقة والقلم . لتبدأ عمليات حسابية معقدة لكل شئ على حدة : كم معه الآن من أموال . وكم سينفق منها على مسكن لائق . ومن ثم تجهيزه بكل مستلزمات الحياة الضرورية . ثم فى أى القاعات ستعقد حفلات الخطوبة وحفلات الزفاف . ثم كم سيتقاضى الشاب الذى قد يغامر ويخطو هذة الخطوة . وكم سينفق شهرياً على زوجة . ثم على أبناء . تلزمه قوامته عليهم أن يوفر لهم كافة متطلبات الحياة من ملبس ومأكل وتعليم وعلاج …….. إلخ .. وغالباً ما تنتهى حصة الحساب هذة بأن يرن جرس اليأس ليمزق الشاب هذة الورقة بعصبية شديدة . وينهض مغادراً المكان إلى حيث لايعرف . وقد صرف النظر كلياً عن الموضوع برمته .. حتى من تزوج منهم بات هو الآخر يراوده القلق من غده . خوفاً على إبن أو إبنة أو كليهما . متسائلاً : ماذا لو لم تتحسن أحواله المادية لمواجهة متطلباتهم مستقبلاً ؟ حتى صارت الحياة بالأبناء على غير ما كنا نتمنى لهم . فلا الأعزب عازم على الخطوة . ولا المتزوج سعيد بها ..

وعلى الجانب الآخر فإن لدى نفس الشخص قدر ولو قليل من الدين والتدين يدفعه إلى الإقدام على هذة الخطوة متوكلاً على الله . آملاً فيه السند والدعم . وأن الله لا يخيب ظن عبده به . وأن الرزق قد يأتى للمرء من حيث لا يحتسب . وأن لكل خطوة حساباتها ولكن فى وقتها . والا نحمل الأمور أكثر مما تحتمل . وأن المولود الذى يتخوف من قدومه يأتى برزقه كما كان يقول الأجداد . وليس للمرء أن يسبق الأحداث بسوء ظن أو تخوف . فالحياة ليست كلها ورقة وقلم . وليست كلها موكلة إلى العقل . فلنعطى لحسن الظن بالله مساحةً أكبر من تلك التى يشغلها العقل . ولنشكر الله على القليل ليرزقنا بالكثير . وأن يسعى العبد بما تيسر لديه من إمكانيات والله من خلفه داعم . وأن آباءنا بدأوا حياتهم بشق الأنفس كما كانوا يقصون علينا . وبالصبر والمصابرة عبروا ووصلوا إلى ما وصلوا إليه الآن …..

معلومة تهمك

وبين هذا وذاك يبقى الميزان عالقاً فى يد الشباب . كفةً تحمل العقل بورقته وقلمه . وكفة تحمل القلب بنزعته الفطرية فى الميل إلى التوكل على الله . ويبقى الشاب حائراً تتنازعه حسابات العقل تارةً . وفطرة القلب تارةً أخرى . مذبذب بين ذلك لا إلى هذا ولا إلى هذا …

ولما كنت أنتمى إلى جيل تربى كما علمه أبواه . على أن الدنيا ليست كلها حسابات . وليس العقل وحده هو السيد فى كل قراراتنا الحياتية . صحيح أن العقل عليه أن يعمل ويفكر . ولكن على القلوب أيضاً أن تتوكل على الله . صحيح أن العقل عليه أن يسعى ويتدبر كيف يجلب الرزق . وعلى القلب أن يوقظه كل حين من غفلته وغرقه . ليخبره أن فوق الرزق رزاق .. حتى لا تصبح الدنيا صفقة كم كسبت منها وكم خسرت . ولا تصبح الحياة سوقاً تجارياً بكم بعت فيها وبكم اشتريت . نحن جيل تربى يحمل غالبيته فى جيوبهم مصحفاً صغيراً وأنتم تحملون غالبيتكم ورقة وقلم . كنا نعلم بأنه : إن لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجنى عليه إجتهاده . نحن جيل كان يسأل الله البركة فى القليل ليصبح كثيراً . وأنتم تسخرون منها الآن . حتى أن أحد الشباب علق ساخراً على كلمة البركة قائلاً : ماذا تعنى هذةالكلمة . هل إذا نمت ومعى عشرة جنيهات سأصبح فأجدها عشرون مثلاً ؟!!. نحن جيل نشأ آملاً فى الله أكثر مما كان يأمل فيما يتقاضاه من راتب . نحن جيل كان يعلم أن الله قد يرزق العبد من حيث لا يحتسب . وأن الرزق ليس مرهوناً بكم يتقاضى المرء . وإنما هو مرهون بكم يتقى الله ليجعل له المخرج . جيل لم يكن يغادر الى عمله كل صباح قبل أن يدخل إلى والده فى غرفته ويسأله الدعاء . فيدعو له ضارعاً إلى الله . فتخرج إلى الشارع منتفخ الصدر . ممشوق . يملأك الأمل . وكأن الشياطين قد صفدت وتفتحت لك أبواب الخير . جيل كنا نقبل أيدى أمهاتنا ونحن على يقين أن فى رضاها الخير كله . وأن بركات الله حتماً … ستنساب يوماً من بين هذة الأصابع ..

فيا معشر الشباب .. لن أرجح لكم أحدى الكفتين . فقد لا تفلح كلماتى أو أنها لم تبلغ من قوة الإقناع ماأحملكم عليه . لذا فلنقرأ سوياً بعضاً من كتاب الله الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ..
بسم الله الرحمن الرحيم :
_ وفى السماء رزقكم وما توعدون ….
_ ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض …
_ وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم …
_ إنا كل شئ خلقناه بقدر وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ….
_ من يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ..
_ ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب ….
_ الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوى العزيز ….
_ ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم ….
_ ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ….
صدق الله العظيم

أبنائى الشباب : ليست هذة دعوة للتواكل وإنما هى دعوة للتوكل على الله . فالجوارح تعمل والقلوب تتوكل . حتى وأن قلقت الجوارح وقلق العقل واضطرب .. فلابد أن يكون القلب مرجعاً تقياً متعلقاً بالله آملاً فيه . واعلم أنك إن تقاضيت ما تقاضيت شهرياً . فليس معناه أنك إمتلكت زمام الحياة أو أن الدنيا قد حيزت لك بحذافيرها . فقد يكون الخير مع القليل والشقاء مع الكثير . وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون . فلن تبلغ مبلغاً إلا بإرادة الله وتوفيقه وليس بما تمتلك . فعليك أن تسعى وليس عليك إدراك النجاح ولكنه قد يأتيك تباعاً . واعمل بالأسباب وتوكل على الله . فمن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره . ولا تمدن عينيك إلى ما متع الله به غيرك فلكلٍ موعده مع الرزق … وأطلق العنان للجوارح أن تعمل .. وأطلق العنان أيضاً للقلب أن يركن إلى الله فهو الرزاق ذو القوة المتين ….

أعزائى الشباب : عسى أن تكون كلماتى قد تركت فيكم أثراً ….. أم أنكم مازلتم تلوحون بالورقة والقلم …… ؟!!!

تنبيه هام، المنشور يعبر عن رأي الكاتب ويتحمل مسؤوليته، دون ادنى مسؤولية علي الجريدة

تنبيه

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

معلومة تهمك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

%d مدونون معجبون بهذه: