مسرحية كل يوم..

مسرحية كل يوم..
بقلم د/أمل درويش.

وتبدأُ يومَك بفصلٍ جديدٍ من فصولِ مسرحيّتك الباهتة..
فصلٌ وحيدٌ يتكررُ في كلِّ يومٍ، لا ملَّ منه الممثلون، ولا ضاقتْ به صدورُ المتابعين..
وما إنْ تفتحَ جفنيّ الأمل عبثًا تجدُ من يغلقهما، ويُحكِم الغلقَ إمعانًا في إحكام قبضته، وإثباتًا لقدرته..
فكلّ شعاع نورٍ يبصرانه يُعلنُ عن فجرٍ جديد، وأنت محرومٌ من هذا الأمل..
لا يُدهشكَ ظلامك، فكم من مرّةٍ أحكموا عليك الأبواب؟ وبأقفالهم الصدئة أوثقوا قيودك..
تبحثُ في الفراغ عن موطئٍ لأولىٰ خطواتك، وما إن تمتدَ قدماك لتحتضن ترابَ الوطن، تغوصُ في الفراغ، كائنٌ هائمٌ لا يعرف ممن يلوذ بالفرار؟
تتشابكُ من حولك الخيوط، وقد انسلختْ للتوِّ من نسيج العنكبوت كما بدت، بِذاتِ اللزوجة والطراوة، بِذاتِ العنجهيّة في السطوةِ والتباهي بالقوّةِ رغم ما تبدو عليه من وهنٍ..
حالةٌ إكتسبتْها من طِباع البشر، رغم بيوتهم الزجاجية القابلة للكسر يُلقون المارّة بأحجارِ قسوتهم، وغِلِّ أحقادهم، ليتهم إلى قلوبهم ينظرون..
أتُراهم في أقفاصهم للمرايا يمتلكون؟
مساكين.. إختاروا السجون بأيديهم، ولأنفسهم شيّدوا الحصون..
يحسدونك على حريّتك، فهل يمكننا تبادل الأدوار معهم؟ وهل يقبلون؟
تحلو في فمك كسرة خبزٍ يابسة، غمستها في الكرامة والعِزّة، رغم أنوفهم وما يضمرون..
فعلام يحسدونك عليها، وهل بهذه الكسرة يقنعون؟
كيف وقد ضجّت موائدهم بأفخم أنواع المؤن؟
كذبٌ ونفاقٌ وتمثيلٌ أصابهم حدّ التُخمة، فصرتَ لا تعرف أشكالهم، صاروا جميعًا متشابهون.
تبدو ثيابك في عيونهم رثّة، رخيصة، فمتى تكون قيمتهم في أرواحهم؟ وثيابهم مازالت أغلى من ذواتهم وما يحتوون؟
تجوبُ الفضاء محلّقًا بزهوٍ وكلّك عزيمةٌ أن تصلَ يداكَ لما تمنيّت، عافيتُك هي كلّ ما تملك وحفنة آمالٍ تركتها للغد تُعتّق.
بينما أسقامهم بلا دواءٍ، وجراحهم حتى الموت تنزف، وعيوبهم لا يُصلحها مالٌ ولا بالكنوز تُرتّق..
وها هي أحلامهم المبتورة قد تاهتْ منهم في الزحام..
أشكركم، على هذا الرخاء، والسخاء في الإكرام..
أخفيتم عن عيوني النورَ، فكان دليلي في رحلتي سراجٌ قادمٌ من أعماق القلب..
إستأثرتم بالطيب والمفاتن، فاستمتعتُ بنحولي وتركتُ لكم التُخمة والعطب..
خذوا من دنياي ما شئتم، عن كل مباهجها إستغنيتُ، واتركوا لي آخرتي، عن عيونكم أسرارَ سعادتي أخفيتُ، مُحالٌ إليها تصلون.