أنبياء مابين النعيم والإبتلاء

بقلم / صابر محمد عبدالعزيز

لقد جاءنا القرآن الكريم بما يمس مشكلات الحياة اليومية ، فكان يتولى التنسيق الاجتماعي ماضيا إلي قلب المتاعب في أصولها القريبة منها والبعيدة ، وفى القرآن من ذلك كثيرا .
وليس هذا فحسب فالقرآن الكريم تناول تقدير قيم الأشخاص والأشياء والأعمال موضحا الباعث والغاية التي يريد أن يكون الناس عليها في حياتهم .

ولنا هنا وقفة صغيرة مع سيرة الرسل والأنبياء فمنذ القدم وقد هداهم الله إلي أن يقولوا لقومهم ويعلنوا أن الغاية من آدائهم رسالاتهم هي الإرتقاء بالنفوس البشرية نحو طاعة المولى سبحانه وتعالى وعبادته ، وهي السنة العظيمة للرسل في الأديان جميعا .
لقد قابلت نفوس هؤلاء العظماء ، الاقوياء ، شتئ أنواع العذاب فطلبهم سبحانه وتعالى بالصبر فقال ﷻ ” فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ” سورة الأحقاف الآية ٣٥

معلومة تهمك

بل أمرهم بأكثر من هذا وارقي فقال ﷻ ” وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلً” سورة المزمل الآية ١٠
ومن هنا بنى الرسل والانبياء مقاومة الابتلاءات علي قواعد وأسس نفسية طاهرة ، لقد تحملوا الآمهم ذاكرين غاياتهم المرجوة واهدافهم النبيلة بكل قوة وشجاعة ؛ لقد خرجت من هذا الآلام لذائذ ، ومن المتاعب راحة نفسية .

وبسبب هذه النفوس الطاهرة ، اختارهم الله للرسالة فقال ﷻ ” اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ۚ سورة الحج الآية ٧٥
لقد جعل الله البلاء من السنن الكونية التي تقع علي المخلوقين إختبارا لهم والقرآن الكريم تحدث عن قصص الأنبياء وابتلاءاتهم في أكثر من سورة .

ولنا في قصة سيدنا أيوب عليه السلام العظة والعبرة فلقد أنعم الله عليه بالمال والغني والصحة وكثرة الأولاد فكان يعيش حياة الرخاء والترف ولكن لم تفتنه زينة الحياة الدنيا عن طاعة الله ﷻ ثم ابتلاه الله عزوجل بالضر الشديد في جسده وماله وولده وذهب كل ما كان فيه من نعيم وترف فمات أولاده وضاع ماله حتي لم يبقي من جسده سليما إلا قلبه ولسانه يذكر الله بهما صبر سيدنا أيوب علي ذلك صبر الرجال ولم ينقطع عن عباده ربه وشكره حتي طال مرضه إلي ما يقرب من ثماني عشرة سنة وكانت زوجته ملازمة له لا تفارقه .

لقد كثرت البلايا والأمراض عليه فدعا الله وتضرع قائلا ” أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ” سورة الأنبياء الآية (83) .
فأنعم الله عليه بقوله ﷻ ” ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ “سورة ص الآية (42) .

حتي أثني الله علي صبر سيدنا أيوب فقال ﷻ ” إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ ” سورة ص الآية (44) .
وهنا كانت المفاجأة والجائزة الإلهية حيث قال تعالى في كتابه العزيز ” فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ” سورة الأنبياء الآية ( 84-85 ) .
وعلي الجانب الآخر نجد في سيرة سيدنا إبراهيم عليه السلام الموعظة الحسنة، فلقد أنعم الله عليه بالرسالة فجاهد في سبيل الدعوة إلى عبادة الله ﷻ حتي تعرض للإبتلاءات فصبر صبر الرجال وثبت ثبوت الجبال فلم يتزعزع حتي تعرض إلي الرمي في النار بعد تكسير الأصنام فأنعم الله عليه بقوله ﷻ ” قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ” سورة الأنبياء الآية (69) .

وتعرض إلي الإبتلاء بتأخير الولد فأنعم الله عليه بإسماعيل وبإسحاق قال تعالي ” الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء” سورة إبراهيم الآية ِ (39).
وتعرض إلي الإبتلاء في إبعاد ابنه إسماعيل وزوجه عنه حيث تركهما في مكة المكرمة ورجع إلى فلسطين فأنعم الله عليهما بالرسالة وإقامة بيت الله . حيث استجاب الله لدعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام لهما “رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ” سورة إبراهيم الآية (37) .
وتعرض إلي الإبتلاء بذبح أبنه إسماعيل فلما خضع وسلم لأمر الله أنعم الله عليهما بقوله تعالى ” وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ” سورة الصافات الآية (107) .
ولنا وقفه صغيرة مع سيرة سيدنا يوسف عليه السلام وهو الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام لقد أنعم الله علي سيدنا يوسف بحب أبيه له أكثر من اخواته ؛ ولكن لم يمضي كثيرا حتي فكروا في التخلص منه أو حتي قتله إلا أن أحدهم اقترح عليهم إلقائه في إحدي الآبار وهذا ما حدث بالفعل ولكن رعاية الله وحمايته له كانت فوق كيد اخواته له فأنعم الله عليه بعد مرحلة من العذاب ان يعيش في قصر عزيز مصر وآتاه الله الجمال في الخلق والخلقة والعلم والحكمة .
وفي تلك الفترة تعرض إلي الإبتلاء مرة أخرى عن طريق زوجه العزيز التي فتنت بجماله حيث قامت بإغلاق الأبواب من أجل ارتكاب الفاحشة فتفاجئ سيدنا يوسف عليه السلام من هذا وقال لها معاذ الله وعلي الرغم من ثبوت براءة سيدنا يوسف عليه السلام دخل السجن ظلما.
قال ﷻ في كتابه العزيز ” وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ” سورة يوسف الآية (23) .
أنعم الله عليه في السجن بتأويل الرؤي حتي وصل أمره إلي الملك فأنعم الله عليه بخروجه من السجن عزيزا لمصر وأمنيا علي الخزائن .
قال تعالى في كتابه العزيز ” قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ” (56) سورة يوسف .
وليس هذا فحسب بل أنعم الله عليه بأكثر من هذا فلقد ظهرت براءة سيدنا يوسف عليه السلام من إفتراء زوجه العزيز عليه قال تعالى ” قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ” سورة يوسف الآية (51).
وبعد فترة من الزمن خرج اخواته لطلب المساعدة من سيدنا يوسف عليه السلام فقد أصابهم الضيق في الرزق وطلبوا الفرج والمساعدة من أخيهم يوسف دون أن يعرفوا بأن هذا أخيهم عرفهم سيدنا يوسف وقال لهم : هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه؟! فقالوا له : اانت يوسف ؟! قال : نعم أنا يوسف وهذا أخي فقالوا له والله لقد آثرك الله علينا فندموا وأعترفوا بالذنب . قال تعالى ” قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وآن كنا لخاطئين(91) قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين (92) سورة يوسف الآية ( 91- 92 ) .
وهنا تظهر مكارم الأخلاق من الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم فلقد قرب إخوته له واجتمعوا مع أبيهم مرة أخرى وهنا اتذكر قول الله ﷻ ” لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ” سورة يوسف الآية (111) .
اللهم صل وسلم على جميع الرسل والأنبياء أهل الرسالات وأصحاب الكرامات الذين تحملوا الآمهم بكل قوة وشجاعة من أجل الإرتقاء بالنفوس البشرية نحو طاعة المولى سبحانه وتعالى وعبادته وعلي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .

تنبيه هام، المنشور يعبر عن رأي الكاتب ويتحمل مسؤوليته، دون ادنى مسؤولية علي الجريدة

تنبيه

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

معلومة تهمك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

%d مدونون معجبون بهذه: