من لم يوقر كبيرنا

بقلم: أحمد النجار

إن من مكارم الأخلاق، أن يوقر الصغير من هو أكبر منه فذلك حقه عليه، وأن يحسن الكبير معاملة من هو أصغر منه فذلك حقه عليه، فلما تخلى الصغير عن توقير الكبير وصار الكبير يتكبر ويسيئ معاملة الصغي،ر اختل نظام المجتمع وانتشر سوء الأدب، الذي امتدت أصابعه ونالت من الآباء والأساتذة والمعلمين وولاة الأمر، وسوء الأدب في كل مكان داعٍ للشر والفساد، ذلك أن الأبناء صاروا لا يوقرون آبائهم فبالتالي يتجاهلون نصحهم ويجهلون على من هم أكبر منهم، ولا عجب فقد جهلوا من قبل على من كان أولى بالتوقير والإكبار، وذلك كله مما يتسبب في شرٍ عظيم تختلف صوره وألوانه، قد تكون في مشاجرة حادة تودي بحياة أحد الأطراف ومثل ذلك كثير، كذلك كل صاحب مهنةٍ أو وظيفةٍ في وظيفته ومحل عمله، والذي يدفعه سوء أدبه إلى أن يجهل على من هو أعلى منه، ويتكبر على توجيهاته فيتسبب بالفساد في منظومة عمله الذي يعمله، والذي بالتالي يعود بالضرر على مصالح ومنافع الدولة والناس.

وقد يظن الكثير ممن يهملون ثقافة توقير الكبير، أنهم يكونون بمظهر الضعيف أو الذليل إن تحلوا بذلك السلوك وذلك الخلق الكريم، ولست أعيب عليهم هذا الظن، لأن بين التواضع والاحترام والمذلة خيط دقيق لا يعلمه الكثير، ولكن ذلك لا يعني أن أترك احترام من هو أكبر مني سناً بالكلية، حتى وإن كان يكبرني بالقليل من السنوات والأيام، فإن توقير الكبير من أسباب انتشار المحبة وتحويل الكراهية إلى مودة وسلام، فإنك إن عاملت أحدهم باحترام قد لا يستحقه، فإنه في الغالب يتظاهر بأنه أهل لذلك الاحترام، ويتصرف تصرفات من هم أهل للاحترام والتوقير، فأنت بحسن خلقك دفعته إلى مثل تلك الأفعال، ومع التكرار قد يتغير باطنه وينقلب سوء خلقه وحاله إلى حسن الخلق والفعل، فالتطبيق الفعلي لسياسة توقير الكبير مما يرسخ قواعد الوئام والسلام بين أفراد المجتمع، ومما يستجلب محبة الناس لمن يحترم غيره وخاصة من هو أكبر منه.

معلومة تهمك

وقد يتعدى احترام الكبير من هو أكبر في السن ويصل إلى من هو أكبر في المقام، وإن لنا في الصحابة الكرام خير قدوة وخير مثل في هذا الشأن، فقد روي ” أن سيدنا عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، التقى بسيدنا زيد بن ثابت رضي الله عنه وكان من العلماء الأجلاء، وكان راكباً على بغلته فأخذ ابن عباس بلجام دابته وقادها له، فسأله لم تفعل ذلك يا ابن عباس فقال له: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا، فنزل إليه الصحابي الجليل وقبل يده وقال له: وهكذا أمرنا أن نفعل بآل بيت نبينا” فهنا قد تمثلت صورتين من صور إكبار الكبير، فسيدنا ابن عباس قد فعل ما يوجبه احترام الكبير سناً ومقاماً، وأما سيدنا زيد ابن ثابت فقد فعل ما يوجبه أدب العلماء، وتواضعهم مع من هم أهل للتوقير والإكبار، فما أحوجنا في هذه الأيام إلى تطبيق هذه السياسة الطيبة وهذا الخلق الكريم، وحسبنا في ذلك قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيما يروى عنه: ” ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا”.

تنبيه هام، المنشور يعبر عن رأي الكاتب ويتحمل مسؤوليته، دون ادنى مسؤولية علي الجريدة

تنبيه

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

معلومة تهمك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

%d مدونون معجبون بهذه: