قصة المقاتل ” الشهيد / البرعي نصر البرعي ” من كتابي”وانتصرنا”


بقلم : عميد أ.ح. محمد عبدالقادر

مكتب القاهرة

معلومة تهمك

قصة المقاتل الشهيد / البرعي نصر البرعي [ مقتطفات من كتابي”وانتصرنا” عن حرب أكتوبر المجيدة ]

هذه الواقعة أنشرها وأذكرها لأول مرة وقد حدث جزء منها في أكتوبر 73 والباقي بعد حوالي عام كامل في سبتمبر 1974. ولو قصها علىَ أحد ربما كان لدي شك. إلا أن هذا حدث معي وأمامي وتلك شهادة أمام الله والتاريخ.
البرعي نصر البرعي عريف مجند من محافظة الغربية، وكان يعمل ك( حكمدار الاستطلاع)في مركز ملاحظة السرية الثالثة من الكتيبة 803 مدفعية 155 مم،والتي كنت أتولى قيادة السرية الأولى فيها. في قطاع الفرقة الثانية مشاه..
أنا هنا سأمر على عجل على ظروف الحرب والتي تكلمنا عنها كثيرا وسأهتم بالواقعة التي عنيتها في هذه القصة. في اليوم الثامن من أكتوبر وأثناء تطوير الهجوم كانت الخطة تقتضي أن تنضم مراكز ملاحظات الكتيبة والسرايا على مركز قيادة اللواء المشاه الذي نعاونه.( اللواء 117 مشاه ميكانيكي.)
وبالفعل تحركنا للخلف لكي ننفذ ذلك الانضمام .

وكان أن اكتشفت القوات المعادية مكان قيادة اللواء ، فأرسلوا طائرتين لقصفه وتدميره. وهنا وطبقا لما تعلمناه ترجلنا من السيارات ، وقام كل منا سريعا بحفر حفرة برميلية ليتقي شظايا القصف الجوى, وكنا وقتها أربعة. أولهم: انا النقيب/ محمد عبد القادر، والثاني : الملازم أول / محمد حمد رسلان ( من الشرقية/ جزيرة سعود/ المنزلة) والثالث: الرقيب مجند/ فيصل فيصل السيد أما الرابع فكان العريف/ البرعي نصر البرعى( من محافظة بورسعيد). بعد القصف الجوي تبين لنا وفاة العريف/ البرعى كما أصيب الملازم أول/ محمد حمد رسلان بشظايا في ظهره.. قمت بمساعدة الرقيب/ فيصل ، بدفن الشهيد في مكانه ، ولم نضع أي علامة تميز المكان. حيث كانت الصحراء كلها متشابهة.

بعد مرور عام كامل على الحرب ، كانت الأمور قد تغيرت فصرت أنا رئيس عمليات الكتيبة وكانت قد إنتقلت من شرق القناة إلى الغرب في منطقة الكيلو 11 طريق الاسماعيلية بورسعيد.

كان أغلب ضباط الكتيبة إما نقل إلى وحدات أخرى أو تم تسريح الاحتياط منهم. وفي أحد أيام شهر سبتمبر حضر إلي أحد ضباط قيادة الجيش الثاني الميدانى من قسم الشئون المعنوية وبرفقته رجل بسيط مرتديا جلابية وطاقية ، وكان يرتجف ، ولما أخبرني الضابط وكان برتبة “مقدم” عن سبب حضوره صعقت:حيث كان من برفقته والد العريف البرعي وكان قد تقدم بطلب إلى قيادة الجيش للحصول على رفات نجله. وساقتهم المعلومات إلى الكتيبة للحصول على معلومات عنه.

وما أن أخبرته بأنني من دفنه بيده في شرق القناة حتى بكى الرجل وألقى بنفسه على قدمي يرجوني أن أحضره له. حاولت بشتى الوسائل أن أفهمه بأن من الصعب بل من المستحيل الوصول إليه بعد هذه المدة لاسيما أننا لم نُعَلِم مكان دفنه بأي علامة تهدينا إليه, وتحت اصرار الرجل طلبت 4 جنود وأدوات حفر وبطاطين .

وكانت نيتي إرضاء الرجل ، فقد كنت اعرف سلفا أنه من المستحيل العثور على الجثمان. وركبنا السيارة وعبرنا القناة من الكوبري المقام جنوب كوبري الفردان في شمال الاسماعيلية ، وهو أقرب مكان إلى منطقة العمليات التي استشهد فيها. وهناك على أرض سيناء كانت المهمة الشبه مستحيلة. فالأرض متشابهة تماما ، وإمكانية تحديد المكان مستحيلة.

قمت بالتجول في المنطقة التي إعتقدت انه مدفون فيها ، بمراجعة الخريطة ومكان قيادة اللواء الذي أصبنا إلى جواره. وطلبت من الجنود الحفر في مكان ما ـ الحقيقة أنني كنت أعمل ذلك إرضاء لمشاعر الرجل- وليس للعثور على الشهيد ، ولما لم يجدوا شيئا تحركت قليلا إلى اليسار وأمرتهم مرة أخرى بالحفر, وكنت أنوي بعدها إنهاء العملية .وهنا حدثت المعجزة الأولى إذ اصطدم كوريك الحفر بشئ وبالحفر الحريص من حوله ظهرت لنا جثة الشهيد . أما كيف علمت أنه هو. فكان من علامتين لاتخطئان . الأولى : السلسلة المعدنية وعليها بياناته. أما الأخرى وهى الأهم ، فانه لكونه ضخم الجثة كالعملاق ، لم يكن يوجد بالمهمات حذاء ” بيادة” على مقاسه وكان لديه تصريح خاص بلبس الحذاء المدني وتفصيله في الغربية. وقد كان محتذيا الحذاء المدني .

أما المعجزة الثانية ( وهو ما أشهد عليه أمام رب العالمين) أن الجثة كانت بكامل هيئتها دون أن تأكل الأرض منها شيئا إلا مواضع العينين، وكان لحمه كاملا ولكن في حالة تيبس كامل ، ومرتديا خوذته كما تركته منذ عام ، وما أن بدأ الجنود الحفر حوله لادخال البطانية من حوله حتى بدأ في التكسر. وتمت المأمورية وتسلمه المقدم مندوب قيادة الجيش ومعه والد البطل البرعي نصر البرعي ، وإنصرف وهو يشكرنا ويدعو لنا.

ملحوظة هامة: بعد نشري هذه القصة تواصلت معي إبنة أخت الشهيد ( الدكتورة الصيدلانية/ إسراء البرعي)وأرسلت لي صورته للتأكد من انه هو المقصود. وأكدت لهم ذلك بعد ان رأيت صورة الشهيد البرعي. وقد منحتهم نسختين من كتابي (وانتصرنا) المشتمل على قصته كهدية.

تنبيه هام، المنشور يعبر عن رأي الكاتب ويتحمل مسؤوليته، دون ادنى مسؤولية علي الجريدة

تنبيه

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

معلومة تهمك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

%d مدونون معجبون بهذه: