دكتور عصام المصري يكتب :أشتاق إليكِ يا أمي

كتب : دكتور عصام المصري .

أشتاق لحضن أمي , وحنان أمي , ودعاء أمي . كانت تجلس في مكانها المفضل في صالة البيت المُتسعة باتساع قلبها الدافئ , كنت أراقبها حباً وعشقاً كي تكتحل عيني بنور وجهها الصافي الذي يحمل عبق الماضي ببساطته , وتفاؤل المستقبل رغم ضيق المعيشة وصعوبة الحياة , كنت أهرب إليها لأنها مأمني , وحصني , وأماني , وخصلات شعري تنحدر على عيني فتمتد يداها الحنونة وترفعها بحنو ليس له مثيل وتقبلني , فأتعلق برأسها رغم ضعف ذراعي الصغير وأرد لها قبلتها , وحينها كنت أشعر بالقوة رغم الضعف , وبالسعادة رغم العسر , وبالأمان رغم سهام الفقر وقلة الحيلة . كنت أشعر بالأمن ورأسي المرهقة المثقلة في حضن أمي . وكأن جيوش العالم تحميني , لأنها كانت جيشي ضد هموم الفكر ومصاعب الحياة , كانت حياتي بسيطة بلا تكلف . فلا أفكر في شيء , ولا أهتم بشيء , فما دامت معي فأنا لا أخاف من أي شيء .

علي أعتاب بيتنا الصغير كنت أخلع حذائي مقدسا لقائي بالملكة المتوجة فوق عرش فؤادي , فتلقاني بعين لامعة فيها السرور الذي يعجز عن وصفة الشعراء والأدباء , وتسألني عن الأصحاب وعن الرفاق , وكيف كان يومي , سؤال كان يصيبني بالملل والضيق أحيانا , غير أن إجابته كانت دائما ترسم ابتسامة الرضا علي وجهها المضيء حين أجيب ( الحمد لله ) كانت تستمتع بأشيائي الصغيرة , بل وتفاصيل حياتي الدقيقة بلا تأفف , تفرح لدرجاتي الدراسية , وتتغنى بعبقريتي المشهودة لها من فرط الحب بين نساء القرية لشهور , كانت قطعة الحلوى بين يدي كفيلة بأن تُسعدها حتى أشعر أنها تمتلك النجوم وتكاد تسبح في الفضاء . إذا سألتني عن الحب والحنان أشير إلي قلب أمي , وإذا سألتني عن بيتي أقول عين أمي , وإذا سألتني عن القوة والعزيمة أخبرك عن بعض بطولات أمي مع معارك الحياة , لتجعل مني شابا قادرا علي المواجهة لا يعرف الاستسلام , أما إن سألتني عن سر سعادتي أقول حين أقبل رأس أمي , وأرتمي بحض أمي .

معلومة تهمك

مازلت أحتفظ بطرحتها البيضاء كبياض قلبها وصفاء روحها , مازالت معلقة في دولاب ملابسي , واعتبره ميراثي الشرعي أهرب إلي طرحتها ليلاً لتكون وسادتي الناعمة فلا يؤرقني كابوس ولا يفزعني حلم مؤلم , وأنام وأنا أقرأ لها الفاتحة وأقبل طرحتها الناعمة التي تفوح منها رائحة المسك , محاولا إخفاء دمعتي وأردد : أشتاق إليكِ يا أمي . أشتاق إليكِ يا أمي .!!

تنبيه هام، المنشور يعبر عن رأي الكاتب ويتحمل مسؤوليته، دون ادنى مسؤولية علي الجريدة

تنبيه

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

معلومة تهمك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

%d مدونون معجبون بهذه: