هل سقطت صخرة سيزيف على رؤوسنا؟!

بقلم جوليستان سيدو- Gulistan Sido
مختصة في اللغة و الادب الفرنسي
مراجعه هبه شتيوي

معلومة تهمك

عندما نمعن النظر في المرحلة التاريخية و المفصلية التي نمر بها كشعوب و مجتمعات المشرق المتوسطي بعربها و كردها…ألخ مسيحيين, مسلمين… نرى أن مشاهد الموت و الدمار تتكرر و حالة العبث طاغية و دوامة الإستنزاف تمتص طاقاتنا, فكلما أردنا العيش بكرامة و التنفس بحرية تصفعنا هجمات شرسة ووحشية ويمارس بحقنا كل الانتهاكات اللاإنسانية على مرأى ومسامع أصحاب القصور و الأبراج و يأتيك بوق من الأبواق و الذي يعتبر نفسه مسؤولا عن مصائر الشعوب مصرحا بكل دم بارد من الطرف المقابل “نعرب عن قلقنا بشأن موت الأطفال” أو “نحن منزعجون بشأن خطف النساء” أو “نحن نراقب الوضع عن كثب”.
العذاب و الألم مستمر وأصبحت حياة مجتمعاتنا مجرد تعويد على الألم وتشبه الموت البطيء, ولكن الحقيقة الجلية و الواضحة هي أننا جميعا نمر بمأزق وجودي مشترك. يبدو أنهم يريدون فرض قدر سيزيف علينا ويسعون لإقناعنا بان هذا قدرنا وبأنه لن يتغير و سنعيش هذا الجحيم إلى الأبد.
هل يجب أن نقبل اللاجدوى و اللامعنى اللذان تحدث عنهما “البير كامو” في مقاله عام 1942 “أسطورة سيزيف”؟ هل كلنا سيزيف؟ هل يجب أن نتصور أنفسنا سعداء و نرضى بهذا القدر؟ و إذا كان العقاب الذي فرضه علينا ما يسمون أنفسهم بالآلهة يهدد شكل وجوهر وجودنا؟ أود هنا طرح السؤال التالي: هل نحن كمجتمعات و شعوب نعيش بالصيغة التي تمثل جوهرنا و نطمح إليها أم بالطريقة التي يريدها غيرنا؟
في ظل غياب الوعي المجتمعي التاريخي والجهل بحقيقة المخططات التي يتم التحضير لها في المطابخ السرية تتعرض مجتمعاتنا لمخاطر وجودية جدية و يتم محاربتها على جبهتين خارجيا و داخليا و على الصعيدين المادي و المعنوي. الحرب و الارهاب والخلايا النائمة تضرب في كل مكان و تزهق الارواح, لا تعترف بالحدود ويرتكبون المجازر في أي مكان تقتضي المصالح. وتعمل الأنظمة الديكتاتورية الاستبدادية و من يقف ورائهم في إدارة أدوات وروبوتات الإرهاب و توجيهها.
إن تجار الأزمات و الحروب يهدفون لنشر حالة الفوضى وعدم الاستقرار وتكريس الشعور بعبثية الحياة, حتى يؤدي بنا الامر للتفكير بالانتحار أحيانا أو الرضوخ للواقع و التسليم به و إنتظار “جودو” أي المنقذ و المخلص هذا من جهة و من جهة أخرى الألم و الضغط في الكثير من الاحيان يولد الانفجار و تؤدي للتمرد و الثورة و ربما يكون المخاض عسيرا لكنها ستؤدي لانبعاث جديد.
تتميز مجتمعاتنا المشرقية بتنوعها العرقي, الديني و الثقافي وتشكل لوحة فسيفسائية جميلة لا يمكن حذف أي جزء أو لون منها كي لا تفقد معناه أو تتشوه. إن حضاراتنا الضاربة في عمق التاريخ و ميراثنا الثقافي الاصيل اللذان يتناقلها الأجيال يشكلان الروح التي تسري في شرايين مجتمعاتنا. من المفروض أن تتكامل الثقافات المختلفة و تكون سببا في الوحدة و القوة و ليس في التفرقة و التناحر والضعف والغرق. الأوابد و الصروح الاثرية وأيضا الميراث الروحي و الفكري شواهد على عظمة أجدادنا وحقيقة و معنى وجودنا.
في الأزمة الخانقة التي نمر بها منذ عشر سنوات, يسعى سماسرة الحروب أو حفاري قبور الثقافات و الحضارات إلى إفراغ المجتمعات من معناها وبتر جذورها. فمثلا أدى المشروع الظلامي و التكفيري المتمثل في داعش إلى تدمير الاوابد الاثرية في سوريا و العراق و العديد من المناطق وسرقتها, باختصار, يتاجرون بالتاريخ…
القضاء على المعنى من خلال صهر و إبادة الثقافات وقطع صلة الشعوب بماضيها يشكل في نظر المفكر عبد الله أوجلان أكبر خطر لتهاوي المجتمعات و يدعونا لإدراك “أن ما من قوة أقوى من قوة المعنى, و لنقل أنه ما من قوة ستنجو من السقوط إلى مستوى استعراض قوة زائفة حيال قوة المعنى. ولا يمكن الحديث عن الحياة في مكان يخلو من المعاني”. و أي مجتمع يفقد معناه لا يستطيع التعبير عن ذاته وهويته. فالنتائج المتمخضة من خسران المعنى و الذهنية و الجمالية الاجتماعية فظيعة و لا يكمن الحديث سوى عن كيان حي مبتور الرأس أو جيفة متروكة للتفسخ. أما المجتمعات التي حققت بمعانيها أفضل لغة و كلام و بنية, تبلغ بذلك المجتمعات الأرقى و بلغت مستوى رفيعا من التحرر.
أراد سيزيف التحايل على الموت و خداعه و لذلك عاقبته الالهة وبدأ بدحرجة الصخرة إلى الجبل ويعيد الكرة ويسعى و يحاول دون يأس كي يصل لنتيجة. أعداءنا يريدون فرض الموت بكل أشكاله علينا و النيل منا. أعتقد أننا يجب أن نعيد النظر في مفهومي الحياة و الموت, ربما لا مهرب من الموت ولكن أن نكون أسياد نظرتنا هي التي تغير الأمور و الأكثر أهمية هو أن نعيش كل ثانية حياة كاملة في سبيل قضايا أو أهداف سامية و نتحلى بأخلاقيات مقاتل الساموراي المعاصر.
لتجاوز الموت و العبث, ليس لشعوبنا إلا أن تحتمي ببعضها البعض, فنحن في نفس السفينة ويجب أن نتشارك في قيادتها بحكمة لنصل للخلاص و ذلك من خلال التضامن واستيعاب المخاطر التي تحدق بنا. أن نكون كالأشجار التي تنمو عل جذورها كما يقول المثل الكردي, و العودة إلى المعاني و التجليات و الرموز المتجسدة في ثقافاتنا و التحلي بروح المسؤولية التاريخية لنقلها للأجيال القادمة بأبهى صورة لها و الحفاظ على خصوصياتها. لا انكسار و لا انهزام و لا خوف بل إصرار على الحياة و الغناء بصوت عالي كما في أغنية الفنان المصري محمد منير “علي صوتك بالغنى”.

تنبيه هام، المنشور يعبر عن رأي الكاتب ويتحمل مسؤوليته، دون ادنى مسؤولية علي الجريدة

تنبيه

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

معلومة تهمك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

%d مدونون معجبون بهذه: