أروع المحاكمات على مر التاريخ ، نقرأها بتأمل .

كتبت/د.شمس راغب

إنها عظمة الإسلام ، عظمة ديننا الحنيف ، إنها من أروع المحاكمات على مر التاريخ ، نقرأها بتأمل .

نادى الحاجب : – ياقتيبة(١) -،هكذا بلا لقب . فجاء قتيبة
وجلس أمام القاضي وهوقائد جيش المسلمين قال القاضي : ما دعواك يا سمرقندي ؟
قال : اجتاحنا – قتيبة بجيشه ، ولم يدعنا إلى الإسلام ، ولم
يمهلنا حتى ننظر في أمرنا . التفت القاضي إلى – قتيبة-
وقال له : ما تقول في هذا يا – قتيبة – ؟ قال قتيبة :
الحرب خدعة ، وهذا بلد عظيم ، وكل البلدان من حوله كانوا يقاومون ، ولم يدخلوا الإسلام ، ولم يقبلوا بالجزية .

معلومة تهمك

قال القاضي : ياقتيبة هل دعوتهم للإسلام أو الجزية أو
الحرب ؟ قال قتيبة : لا ، إنما باغتناهم كما ذكرت لك .
قال القاضي : أراك قد أقررت ، وإذا أقر المدعى عليه
انتهت المحاكمة ، فالاعتراف سيد الأدلة . يا – قتيبة – :
ما نصرالله هذه الأمة إلا بالدين واجتناب الغدر وإقامةالعدل

* قضينا بإخراج جميع المسلمين من أرض – سمرقند – من
حكام وجيوش ورجال وأطفال ونساء ، وأن تترك الدكاكين
والدور ، وأن لايبقى في سمرقند أحد ، على أن ينذرهم
المسلمون بعد ذلك .

* لم يصدق الكهنة ما شاهدوه وما سمعوه فلا شهود ولا
أدلة . ولم تدم المحاكمة إلا دقائق معدودة .
ولم يشعروا إلا – والقاضي – و – الحاجب – و – قتيبة –
ينصرفون أمامهم .
. وبعد ساعات قليلة سمع أهل – سمرقند – جلبة تعلو ،
وأصواتا ترتفع ، وغبارا يعم الجنبات ، ورايات تلوح خلال
الغبار ، فسألوا ، فقيل لهم : إن الحكم قد نفذ ، وإن الجيش قد انسحب ، في مشهد تقشعر منه جلود الذين
شاهدوه أو سمعوا به .

وما إن غربت شمس ذلك اليوم إلا وقد خلت طرقات – سمرقند – وسمع صوت بكاء في البيوت على خروج تلك
الأمة العادلة الرحيمة من بلدهم .

ولم يتمالك الكهنة وأهل – سمرقند – أنفسهم ، حتى خرجوا
أفواجا ، وكبير الكهنة أمامهم باتجاه معسكر المسلمين ، وهم
يرددون شهادة : أن لا إله إلا الله ، وأن محمد رسول الله-

. أتدرون من هو القاضي ؟

إنه الخليفة العادل الزاهد – عمر بن عبد العزيز – خامس
الخلفاء الراشدين ، رضي الله عنه وأرضاه .٢

نفيد او نستخلص من القصة أن دعوى المستشرقين وغيرهم بأن الإسلام انتشر بالسيف وسيلة لإرغام الناس على الدخول
فيه – دعوى باطلة ، يردها كتاب الله ، وسنة رسوله ، والواقع
العملي على مر الزمان ، وسوف نبين ذلك في النقاط التالية

: أولا : أثبت القرآن الكريم : أن الدخول في دين الإسلام ،
لا يصح إلا طواعية دون إكراه ؛ قال الله – تعالى – { لا
إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت
ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى – البقرة ٢٥٦

ثانيا : عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما – قال : بعثنا رسول
الله – صلى الله عليه وسلم – إلى الحرقة ، فصبحنا القوم ، فهزمناهم ، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم ، فلما
غشيناه قال : – لا إله إلا الله – ، قكف الأنصاري ، فطعنته
برمحي حتى قتلته فوقع في نفسي من ذلك ، فلما قدمنا

ذكرته للنبي – صلى الله عليه وسلم – ، فقال : – يا أسامة
أقتلته بعد ما قال : لا إله إلا الله ؟ – ، قلت : كان متعوذا ،
إنما قالها خوفا من السلاح ، فقال : أقال : لا إله إلا الله وقتلته ؟ أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا ؟ -،
فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن اسلمت قبل
ذلك اليوم – رواه البخاري .

يقول – أمير الشعرا ء :

قالوا : غزوت ، ورسل الله ما بعثوا
لقتل نفس ، ولا جاءوا لسفك دم

جهل وتضليل أحلام ، وسفسطة
فتحت بالسيف بعد الفتح بالقلم

والله إنه لدرس كبير ، وصرخة نذير ، من رسول الله – صلى
الله عليه وسلم لحبيبه وابن حبيبه زيد بن حارثة – رضي الله
عنهما – ، درس لم يكن يحتمل التأجيل ولا المجاملات ، درس
لا ينبغي فيه الإطالة ولا المقدمات ، إنها النيات ، وهل يعلم
النيات إلا رب الأرض والسماوات ، فهو العزيز العظيم الرحيم
الغفور ، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .

نتعلم من ذلك أن ننظر إلى قلوب الناس نظرة نظيفة ، ونحمل ما فيها على النوايا الشريفة ، وأن نجعل مشاعرنا نحوهم خالصة عفيفة ، يذهب ما في قلوبنا من الشك والريب ، وتحلو حياتنا بالسعادة وتطيب ، وإذا ما أخطأ علينا
أحد واعتذر ، نتذكر ما في العفو من الشهامة والأجر .

(١)قتيبة بن مسلم الباهلي:قائد إسلامي شهير قاد الفتوحات
الإسلامية في بلاد أسيا الوسطى في القرن الأول الهجري
في عصر الدولة الأموية ولد بالبصرة العراق سنة ٦٦٩ م
وتوفي سنة ٧١٥ فرغانة ، أوزبكستان .
(٢) المصدر البداية والنهاية : ابن كثير وفي غيره من المصادر .

تنبيه هام، المنشور يعبر عن رأي الكاتب ويتحمل مسؤوليته، دون ادنى مسؤولية علي الجريدة

تنبيه

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

معلومة تهمك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

%d مدونون معجبون بهذه: