الإنسان يعيش مرة واحدة

الإنسان

الانسان يعيش مره واحده

بقلم / ياسر أحمد
فيلم للمخرج سيمون صالح من بطولة الفنان عادل امام والفنانه يسرا فيلم من كلاسيكيات حقبة الثمانينيات ويصلح كذلك عنوانا لمسرحية ملحمية من مسرحيات عميد المسرح العربى العملاق الراحل يوسف بك وهبى كما يصلح أيضا عنوانا لعمل درامى من أعمال ملك الدراما التلفزيونية الأسطورة الراحل أسامه أنور عكاشه رحمه الله بل ويصلح فى النهاية لأن يكون عنوانا لرحلة الانسان فى هذه الحياه بصفة عامة رحلة اللاعوده أو اللارجوع أو اللااعاده فاما نجاح رنان يطبق الآفاق واما فشل ذريع وتدهور سريع بلا احتمال ثالث أبدا على الاطلاق مع احتمالية تقويم السلوك وتعديل المسار عند وقوع الخطأ أو التعثر أو الزلل ولكن بأقصى سرعة ممكنة حتى لايفوت الانسان قطار الحياه داهسا اياه وحتى لاتحدث معه الحياة فجوة زمنية كبيرة يصعب عليه تداركها أو التغلب عليها بعد فوات الأوان فلعل الفيلم قد بدأ بالشاب هانى أو الفنان عادل امام الذى كان يعمل مدرسا للتاريخ وهو يخطو أولى خطواته الخضرة فى الحياة ولكنه وتحت وطأة عنفوان الشباب وحماسة الاقبال الطائش عليها لايراعى حرمة العمل وشرفه وقدسيته لاسيما مهنة التدريس هذه التى تعد رسالة سامية قبل أن تكون وظيفة فالعلماء ورثة الأنبياء وحسنات العامة سيئات الخاصه وليس أغلى لدى الانسان فى هذه الحياة من سمعته التى ستعيش أكثر مما يعيش وستبقى أكثر مما يبقى والتى هى كشرف الفتاه الذى قال عنه عميد المسرح العربى أنه كعود الثقاب الذى لايشتعل الا لمرة واحدة فقط ليصبح بعدها كما مهملا وكارتا محروقا لايجدى اللعب به ثانية على موائد القمار تلك الموائد التى كان الأستاذ هانى ضيفا دائما وزبونا مستديما عليها حتى الساعات الأولى من الصباح ليهم بعد ذلك بالذهاب الى عمله وهو يترنح تحت تأثير الخمر وهو متأخر عن موعد المدرسه رائحة الخمر هذه التى كانت تفوح من فمه بعد أن ألقى ناظر المدرسة التى كان يعمل بها القبض عليه وهو يغط فى نوم عميق أمام الطلبة والتلاميذ فياللعار والشنار والسمعة التى اكتوت بالنار فأطاحت به على بعد مئات الكيلومترات وعشرات الآلاف من الأمتار الى جوار البحر الخضم بشاطئه الجميل ومياهه الزرقاء الصافية المثيرة للدهشة والانبهار ليكون عقابا شديدا له ولكنه لذيذا فى نفس الوقت يبعده عن صخب المدينة وضجيجها وضوضائها الى الهدوء والسكينة المفرطة التى ألقت به بين براثن القلق والأرق من جديد ليبدأ فى البحث عن سلوى جديدة له ليجد ضالته المنشودة فى شلة أنس أخرى ضالة يتزعمها الدكتور طارق مدير الوحدة الصحية بالمدينة النائية ومدير الدكتوره أمل الطبيبة الشابة المأسوف على شبابها التى هربت من القاهرة طواعية وبكامل رغبتها الى أحضان البحر تبثه أحزانها وأشجانها على فراق حبيبها وزميلها الطبيب الشاب الذى لقى حتفه على يديها بسبب حادث سير تعرض له وهو يهرول ليلا الى المستشفى لانقاذ حياة مريض استدعته من أجل انقاذه الدكتوره أمل هذه التى جمع القدر بينها وبين الأستاذ هانى فى الطريق الطويل بالقطار ثم بالسيارة الأجره ليحدث الاستلطاف بينهما فتشتعل شرارة الحب القصرى وليس القسرى نسبة الى الفنان الراحل عبد الفتاح القصرى ونظريته الشهيرة فى اشتعال شرارة الحب بسيارة العشق والهوى اللهم الا ليعكر صفو هذه العلاقة بذاءة الدكتور طارق وصفاقته وهو الذى ألقى بشباكه حولها منذ الوهلة الأولى على أساس أنها فريسة سهلة ولقمة سائغة وصيد ثمين ولكن هيهات هيهات هيهات لعصفورة الكناريا أن تكون وليفة لطائر الرخ وتمر الأيام والليالى بعد استلام كل من الأستاذ والدكتورة لعملهما الجديد بجوار البحر الأزرق الحالم لتستمر اللقاءات البريئة بينهما بطريقة دوريه تلفت اليهما أنظار الناس ليقوم مدير المدرسة بلفت نظره الى ذلك وهو الذى لايزال تحت تأثير المتابعة والمراقبة بسبب جريمته الشنعاء وفعلته النكراء التى اقترفها فى القاهرة قبل وصوله الى هذه المنطقة النائيه ولينبرى الفيلم الى زاوية جديدة انسانية فى الفيلم ألا وهى زاوية عم بكرى الصعيدى حارس المدرسه الذى أضاع ربع قرن من الزمان أو نصف عمره هاربا من أقاصى الصعيد من جراء جريمة ثأر قدرية أحاقت به ومنذ ذلك الحين وهو ينام ليلا كالذئاب مغمضا عينا وفاتحا الأخرى وبندقيته الآلية لاتكاد تفارق يديه ولاصدره الذى يغلى كالمرجل البخارى على الدوام لتدور أحداث الفيلم حول الحوارات العبقرية بين أستاذ التاريخ والرجل الصعيدى الملثم والهارب منذ ربع قرن من الهم والغم وميراث الدم ليبدأ الأستاذ هانى فى الابحار فى أغوار النفس الحزينة والمكلومة لعم بكرى بكل همة ونشاط ودأب ومثابره محاولا فك لوغاريتماته النفسية وطلاسمه الشخصيه على أمل أن يوفقه الله الى حل مشكلته الأزلية فيتمكن من اخراجه من هذه الدائرة الجهنمية التى التهمت نصف حياته مضيعة عليه أحلى سنوات عمره كما كان يستشهد بذلك على الدوام ويمضى الفيلم على محورين لاثالث لهما محور الحب والسعاده بين الأستاذ هانى والدكتوره أمل ومحور الحزن والشجن بين الأستاذ هانى وعم بكرى الفيلسوف الحائر والحكيم المعذب الذى ذهب عمره أدراج الرياح بسبب عنده وحماقته وخوفه الذى ملئ الآفاق طوال هذه الفترة من أقاصى الصعيد وحتى أقاصى البلاد على شاطئ البحر حتى أذن الله عز وجل بحل كل هذه العقد دفعة واحدة عقدة الحب وعقدة الدم ليهم أستاذ التاريخ فى نفس الوقت وفى نفس الرحلة بحل العقدتين معا بالعودة الى القاهرة للارتباط بالدكتوره أمل ثم الى الصعيد للقيام بعملية الاقتران بين الهارب المطارد وأهله من جديد ولينجح فى ذلك اللهم الا من مشهد الاشتباك المسلح الذى وقع بالقطار بين أستاذ التاريخ والهارب المطارد من جهه وبين هريدى المطالب بالثأر من جهة أخرى وهكذا انتهى الفيلم بنهاية سعيدة ولكنه لم ينتهى بعد أن انتهى وقد ترك لنا ارثا كبيرا جدا من الحكمة والعطاء والثراء الفكرى والعاطفى والوجدانى الذى يكفينا لعشرات الأجيال ولمئات السنين ترك لنا حكمة بالغة بأن نستمتع باليوم الراهن وباللحظة الحالية وأن ننظر دوما الى الأمام فلا نلتفت أبدا الى الخلف ذلك بأن نضحك ونلعب ونلهو ونبتسم وأن تملأ ضحكاتنا الدنيا وتطبق قهقهاتنا الآفاق وألاتفارق الايتسامة العريضة شفاهنا أبدا كما كان هو الحال مع بطل الفيلم فهذا هو أفضل استثمار فى الحياة على الاطلاق الاستثمار فى النفس وفى النفسيه قالأيام دول والليالى حبالى والقدير كل يوم هو فى شأن ورب يوم بكيت فيه فلما صرت فى غيره بكيت عليه ومازرعته فى شبابك من البشر والفرح والأمل والتفاؤل سوف تحصده فى كبرك ذكريات جميلة وأحلام يقظة وردية وأمسيات رغدة هنية تسرى عنك فى أيامك الخوالى ولياليك الطويله مهونة عليك متاعب الحياه ومشاقها ومآسيها التى سوف تتكالب عليك رويدا رويدا كما تهوى برادة الحديد الى أقطاب المغناطيس من الوحدة والعزلة والمرض فهكذا الحياه التى هى كالحساب الجارى الذى يقوم الانسان بفتحه فى أحد البنوك كلما ادخرت فيه فى الرخاء نفعك فى الشده فكن حريصا على التعامل الرشيد معه محافظا على رصيد متزن وموزون ومتوازن من المال ومن العلاقات الاجتماعية السويه ومن الصداقة ومن حب الناس حتى اذا ماتدهور بك الحال ومال عليك الزمان اتكأت عليه والا أعلنت افلاسك ذات يوم والعياذ بالله

معلومة تهمك

تنبيه هام، المنشور يعبر عن رأي الكاتب ويتحمل مسؤوليته، دون ادنى مسؤولية علي الجريدة

تنبيه

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

معلومة تهمك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

%d مدونون معجبون بهذه: