الالتقاء لا يعني الانتقاء و الارتقاء

كتب : ماهر المنزلاوي

القول بأن الكثرة تعنى الحق ، وَهّمٌ يتشدق به العامة ، ويتألم منه الخاصة ، ويتغني به الجهلاء ، ويتخفي من وراءه الضعفاء ، وهو من أهم الأمور التي تبعث الشك في قلوب المتأرجحين ، و تنبت الريبة في عقول المترددين ، و تجعل الكثير من الناس منهزمين نفسياً أمام كثرة الباطل ، وذلك على غير الحقيقة والمنطق ، وعلى غير سند من صحيح الدين ، قال تعالى ( قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث ) .

ومن أجل تصحيح فهم الذين يظنون بأن الكثرة تعنى الحق ، ذكر الله تعالى في كثير من الآيات لتوضح الصورة ، فإن الأمر على العكس تماماً فقد ذمت الكثرة في القرآن الكريم قال تعالي :
1- (( وَأَكثَرُهُمُ الفَاسِقُونَ ))
2- (( وَأَكثَرُهُم لاَ يَعقِلُونَ ))
3- (( وَأَكثَرُهُمُ الكَافِرُونَ. ))
4- (( وَأَكثَرُهُم لِلحَقِّ كَارِهُونَ ))
5- (( وَأَكثَرُهُم كَاذِبُونَ )) وغيرها الكثير والكثير من الآيات بينما نجد القرآن يمدح القلة ويقول تعالى :
1- (( وَقَلِيلٌ مِّن عِبَادِيَ الشَّكُورُ ))
2- (( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وقليل ما هم ))
3- (( وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ ))
4- (( لأصحاب اليَمِينِ ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ ))
6- (( وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ ) .

معلومة تهمك

لذلك وجب الإيمان بأن الدولة بمجموع أبناءها ، على اختلاف انتماءاتهم وآرائهم ومعتقداتهم ، دون الانسياق وراء العامة ، حتي وإن كانوا الأقوى صوتاً ، والأكثر عدداً ، مهما علا سيطهم ، وبزغ نجمهم ، وتعاظمت قوتهم ، لأن المجتمعات القوية مترابطة متماسكة بمؤيدها ومعارضيها ، دون إقصاء لأحد أو مداهنة لأحد ، هدف أبنائها التعارف والتراحم ، لا التباغض والتنافر ، موقنون بأن الله خلقهم مختلفين ، وليسوا نسخا بعضهم من بعض ، مؤمنون بأن الإختلاف لا يعني العداء والبغضاء ، وأن رأي أحدهم صواب يحتمل الخطأ ورأى الآخر خطأ يحتمل الصواب .

إن الحكم علي الناس بما يرويه الآخرون عنهم ، والذي يكون في أغلب الأحيان مختلفا عن الواقع والحق ، ظُلّمٌ بيّن ، وإقصاءٌ متعمد ، بل يجب أن يتم تصنيف أفراد المجتمع ، بما تحويه أفكارهم ومعتقادتهم ، ليس بانتماءاتهم ومسمياتهم ، لا يعني أن المادحين زعماء للوطنية ، وأن القادحين رموز للخيانة والعمالة ، لا يعني أن الأطباء ملائكة للرحمة ، وأن المحامين سفراء للباطل ، وأن التجار زعماء الغش والتدليس ، بل كل منهم يؤخذ منه ويرد ، دون النظر إلى جنس أو دين أو نوع .

إن الإيمان بالأفكار عقيدة يجب الدفاع عنها مهما كلف الأمر ، حتى ولو لم يؤمن بها أحد ، أو آمن بها واحد فقط ، ولا تعني أنها أفكار خاطئة أو غير صحيحة ، ما دامت لم تحرم حلالاً أو تحل حراما .

إن الثقة والاعتزاز بالنفس ، والتمسك بالأفكار والمعتقدات ، والثبات على المواقف ، والصمود والدفاع عن الآراء ، هي رأس مال الأحرار ، والمدافعين عن الحرية ، والحاملين لواء المساواة ، لا يتتازلون عنها تحت أي ظرف أو تحت أي مسمي ، حتي وإن أصبحوا وحيدين بين جدران غرفهم ، حتي وإن اتهموا بالانطواء والعزلة ، حتي وإن تضاءلت أصدقاؤهم وأحبتهم ، حتي ولو حساب عملهم وعلاقاتهم ، لطالما أن المسافة بينهم وبين الله أقرب .

إن التقاء أعداد كثيرة حول شخص معين ، ليست دليلاً على كامل الإيمان بأفكاره ، وليست شرطاً أن تكون أفكاره سامية الهدف ، نبيلة الغاية . وليست من الضرورة أن تكون على مستوى من المثالية والنقاء والرقي يكفي للإيمان بها والالتفاف حولها ، ولا يشترط أن تكون من المنطق والعقل بالشكل الذي يحملها على الحياة ، فهناك ملايين من البشر يعبدون البقر أو الشجر أو الشيطان ، ومع ذلك ملتفون حول معبودهم دون رادع من فهم أو منطق او إدراك .

إن التفاف الناس حول شخص معين ، لا يعني أنه الأمل المنشود أو الغاية المبتغاة ، ولا يعني أنه الأفضل ، فقد يراه الناس هو المتنفس لهم ، أو هو المفزع من واقع مؤلم ، وتأكد أن اختفاء الأفضل لا يعني سيطرة السيء عليه ، فلا يطفو على السطح إلا الأخف ، وأن الالتفاف لا يعني النجاح ، وأن الالتقاء لا يعني الانتقاء والارتقاء .

تنبيه هام، المنشور يعبر عن رأي الكاتب ويتحمل مسؤوليته، دون ادنى مسؤولية علي الجريدة

تنبيه

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

معلومة تهمك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

%d مدونون معجبون بهذه: