دنيا ودين ومع ليلة القدر ” الجزء الأول

ليلة القدر

دنيا ودين ومع ليلة القدر ” الجزء الأول “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى

إن ليلة القدر هى من نفحات الدهر التى يتفضل الله تعالى بها على عباده، فيغدق عليهم من فضله ورحمته وبركته فى هذه الليلة أضعافا مضاعفة عما يحدث طوال العام لذا يشمر لها المشمرون، وينتظرها العارفون، لينهلوا من هذا الفيض الرباني ما استطاعوا، وإن القدر في اللغة اسم مصدر من قدر الشيء يقدره تقديرا، وقيل إنه مصدر من قدر يقدر قدرا، عبارة عما قضاه الله وحكم به من الأمور، وقيل هو كون الشيء مساويا لغيره من غير زيادة ولا نقصان، وقدّر الله هذا الأمر بقدره قدرا، إذ جعله على مقدار ما تدعو إليه الحكمة، أما في الشرع فهو ما يقدره الله من القضاء ويحكم به من الأمور، ولقد سميت ليلة القدر من القدر وهو الشرف كما نقول فلان ذو قدر عظيم أي ذو شرف، وأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة، فيكتب فيها ما سيجري في ذلك العام، وهذا من حكمة الله عز وجل وبيان إتقان صنعه وخلقه، ومعنى القدر هو التعظيم أي أنها ليلة ذات قدر، لهذه الخصائص التي اختصت بها، أو أن الذى يحييها يصير ذا قدر وقيل القدر التضييق.

ومعنى التضييق فيها هو إخفاؤها عن العلم بتعيينها، وقال الخليل بن أحمد إنما سميت ليلة القدر لإن الأرض تضيق بالملائكة لكثرتهم فيها تلك الليلة، من القدر، وهو التضييق، فقال تعالى “وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه” أى بمعنى ضيق عليه رزقه، وقيل أن القدر بمعنى القدَر، بفتح الدال وذلك أنه يُقدّر فيها أحكام السنة كما قال تعالى “فيها يفرق كل أمر حكيم” ولأن المقادير تقدر وتكتب فيها، وقد اختلف العلماء في ليلة القدر اختلافا كثيرا، ومنها أنها في جميع ليالي رمضان، ومنها أنها أول ليلة من رمضان، وأنها ليلة النصف، وأنها ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وسبع وعشرين وغير ذلك من الأقوال، ولقد قال سلفنا رضي الله عنهم أنه أخفى الرب أمورا في أمور لحكم وهى أنه تعالى أخفي ليلة القدر في الليالي ليحيى جميعها، وأخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة ليدعى في جميعها، وأخفى الصلاة الوسطى في الصلوات ليحافظ على الكل، وأخفي الاسم الأعظم في أسمائه ليدعى بالجميع، وأخفى رضاه في طاعته ليحرص العبد على جميع الطاعات.

معلومة تهمك

وأخفى غضبه فى معاصيه، لينزجر عن الكل، وأخفي أجل الانسان عنه ليكون على استعداد دائما، والراجح في ليلة القدر أنها في العشر الأواخر من رمضان فعن السيدة عائشةَ رضي الله عنهما قالت كان رسول الله يجاور في العشر الأواخر من رمضان، ويقول ” تحرّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان” وعنها رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “تحرّوا ليلةَ القدر في الوتر من العشر الأواخر من شهر رمضان” ولا شك أن الحكمةَ في إخفاء ليلة القدر أن يحصل الاجتهاد في التماسها وطلبها، وليلة القدر هي ليلة مميزة تتكرر كل عام هجرى فى شهر رمضان المبارك، فهي أحد ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان، وقد جاء ذكرها في القرآن الكريم وفى ‌سيرة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لذلك فهى ذات أهمية وخصوصية كبيرة عند المسلمين، فالقرآن نزل في هذه الليلة، ولليلة فضل عظيم، وثبت بالسنة النبوية الشريفه الحث على تحرّى هذه الليلة فى العشر الأواخر، خصوصا فى الليالى الفردية منها.

وأن الله عظم أمر ليلة القدر فقال تعالى ” وما أدراك ما ليلة القدر” أى أن لليلة القدر شأنا عظيما، وبين أنها خير من ألف شهر فقال تعالى ” ليلة القدر خير من ألف ” أى أن العمل الصالح فيها يكون ذا قدر عند الله خيرا من العمل في ألف شهر، ومن حصل له رؤية شيء من علامات ليلة القدر يقظة فقد حصل له رؤيتها، ومن أكثر علماتها لا يظهر إلا بعد أن تمضي، مثل أن تظهر الشمس صبيحتها لا شعاع لها، أو حمراء، أو أن ليلتها تكون معتدلة ليست باردة ولا حارة، ومن اجتهد في القيام والطاعة وصادف تلك الليلة نال من عظيم بركاتها فضل ثواب العبادة تلك الليلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم” من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدَّم من ذنبه” رواه البخارى، وقيام ليلة القدر يحصل بالصلاة فيها إن كان عدد الركعات قليلا أو كثيرا، وإطالة الصلاة بالقراءة أفضل من تكثير السجود مع تقليل القراءة، ومن يسَّر الله له أن يدعو بدعوة في وقت ساعة رؤيتها كان ذلك علامة الإجابة، فكم من أناس سعدوا من حصول مطالبهم.

التي دعوا الله بها في هذه الليلة ثم قال الله تعالى “تنزل الملائكة والروح فيها يإذن ربهم من كل أمر” ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال “إذا كانت ليلة القدر نزل جبريل في كبكبة، أي جماعة من الملائكة يصلون ويسلمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله فينزلون من لدن غروب الشمس إلى طلوع الفجر” فينزلون بكل أمر قضاه الله في تلك السنة من أرزاق العباد وآجالهم إلى قابل، وليس الأمر كما شاع بين كثير من الناس من أن ليلة النصف من شعبان هي الليلة التي توزع فيها الأرزاق والتي يبين فيها ويفصل من يموت ومن يولد في هذه المدة إلى غير ذلك من التفاصيل من حوادث البشر، بل تلك الليلة هى ليلة القدر كما قال ابن عباس ترجمان الأمة فإنه قال فى قول القرآن ” إنا أنزلناه فى ليلة مباركة إنا كنا منزلين، فيها يفرق كل أمر حكيم” هى ليلة القدر، ففيها أنزل القرآن وفيها يفرق كل أمر حكيم أي كل أمر مبرم، أى أنه يكون فيها تقسيم القضايا التي تحدث للعالم من موت وصحة ومرض وغنى وفقر وغير ذلك.

مما يطرأ على البشر من الأحوال المختلفة من هذه الليلة إلى مثلها من العام القابل، ثم قال الله تعالى ” سلام هى حتى مطلع الفجر” فإن ليلة القدر سلام وخير على أولياء الله وأهل طاعته المؤمنين ولا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا أو أذى، وتدوم تلك السلامة حتى مطلع الفجر، وعن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت “قلت يا رسول الله إن علمت ليلة ما أقول فيها؟ قال قولى اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنى” وكان أكثر دعاء النبى الكريم صلى الله عليه وسلم فى رمضان وغيره “ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار” وإن من علامات ليلة القدر، أنه ذكر الشيخ ابن عثيمين أن لليلة القدر علامات مقارنة وعلامات لاحقة، فأما العلامات المقارنة فذكر منها قوة الإضاءة والنور في تلك الليلة، وطمأنينة القلب، وانشراح الصدر من المسلم، والرياح تكون فيها ساكنة، وأما العلامات اللاحقة فذكر منها أن الشمس تطلع في صبيحتها من غير شعاع، ودلل لذلك بحديث روى عن أبي بن كعب في صحيح مسلم.

أنه قال أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم “أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” وعن عبد الله بن أنيس أنه قال “يا رسول الله، أخبرني في أي ليلة تبتغى فيها ليلة القدر، فقال صلى الله عليه وسلم “لولا أن يترك الناس الصلاة إلا تلك الليلة لأخبرتك” ولقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى أن تتحرى ليلة القدر في شهر رمضان كله، وفي العشر الأواخر منه خاصة، وفي أوتارها على أخص الخصوص، ومعنى تحريها هو الحرص على إدراكها بعمل الخير والطاعة حتى يكتب للمرء ذلكم الأجر العظيم المعد لقائميها، الذى قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم “من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” ولا منافاة بين غفران ما تقدم من الذنوب بقيام ليلة القدر وغفرانها بصيام رمضان لأن الذنوب مثل الأمراض فكما أن لكل مرض دواء، فكذلكم الذنوب، لكل ذنب ما يناسب تكفيره.

تنبيه هام، المنشور يعبر عن رأي الكاتب ويتحمل مسؤوليته، دون ادنى مسؤولية علي الجريدة

تنبيه

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

معلومة تهمك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

%d مدونون معجبون بهذه: