رواية حنظلة

رواية حنظلة

رواية حنظلة
بديعة النعيمي
تفرد القهر وخراب الذات

قراءة نقدية بقلم/سليم النجار
متابعة /لطيفة القاضي
رواية حنظلة للروائية بديعة النعيمي هي بنيات سردية تتميز بإعتبارها شكلا كونيا عاما تسعى للإستقلال من حيث التنظيم اللغوي ٠ وفي ذات الوقت توظف البنيات الخطابية ، تصب في قوالب السرد للبحث عن مضامين المعنى للشخصيات الروائية الخاصة بالنص ٠ فالنص السردي لرواية حنظلة لا تحدد من خلال خطابات معينة ، بل من خلال التحققات المتنوعة التي عملت عليها النعيمي كشكل مستقل عن ما هو سائد في الفن الروائي الذي يُكتب في الأردن ٠ فالتقنيات الموظفة في ظل منظومة رؤية متناغمة بين الفكرة والشخصيات كخلفية للنص ، ( ها هي ساعة منتصف الليل تدّقُ بلا عقارب ولا وقت ، فالعقارب أصابها العطب والوقت مات وسط زحمة الرتابة ، رتابة الحرب ، الصفقات السوداء ، وربما وسط رتابة قطرات الماء التي تتداعى تباعاً من حنفية الحمام وقد ملّت روتين الفتح والإغلاق ٠٠٠ ص٩١ ) ٠
وإذا كانت عملية تحريك النموذج النصي للرواية تتم من خلال التعامل مع الدلالات بإعتبارها إمساكاً أو انتاجاً للمعنى من طرف الشخصيات الروائية ، هي عملية تحول العلاقات ببن الشخصيات والحاجات الخاصة به ، ويكون الحدث بانوراما للسلوك الإجتماعي ، ( يا لهذه المدينة إنها مجرّد غانية على سفينة تهزُّ ردفيها كلما طوحتْ بها الأمواج الشبقة ٠ عندما دخلها للمرة الأولى أنكر كلاهما الآخر شعر وقتها بأنه دخل في تيه طويل من عدم الانتماء ٠٠٠ ص١٦ ) ٠
ولأن الرواية تقوم على قوة التحريك ، فإنها تستند اساسا على الإقناع ٠ ويتمفصل هذا الإقناع كمحور ممتد بين السرد والصورة الروائية وفعل مرسل ، وما بين الفعل والفكرة تكمن هنا الرؤية كمفتاح للحدث ، هذا التشابك التي اتقنت الروائية النعيمي بصياغته جعل من النص يتجاوز فكرة بناء العلاقات العادية بين الشخصيات ، ( كان النهار قد حمل أضواءه ورحل ، حلّ الظلام بصمته عندما أعادوني من غرفة التحقيق ٠٠٠ دخلتُ ٠٠٠ مساء الخير يا صانعة الألم ، أيتها الصلفة ، التمثال النزق ، أيتها المتناقضة ص٧٧ ) ٠
في رواية ” حنظلة ” تنوعُ التحريك جزء من التكنيك ، والروائية لا تدخر جهدا في سبيل تطوير هذا التكنيك ٠ لتبرهن ان السرد عملية تحريك إبداعي ، وشهادة جريئة على ما حدث ويحدث ، وما سيحدث في المستقبل ، ( أصبح نهار المعتقل امتدادًا لليلة ، إيقاعات متشابهان لنغمة واحدة هي غياب الشمس وامتداد العتمة والأنفاس المضطربة لجدران الغرفة ، ورجفة الوقت وارتعاش عقارب الساعة ٠٠٠ ص١٦٥ ) ٠
وللروائية قدرة في التعريف بالبطل الحقيقي للنص ؛ الذي يظهر جلياً ألا وهو الزمن الحاضر في كل ركن بالنص والدلالات والمفردات ، كالنهار والشمس ، والعتمة ، وما يتبع من مفردات مكانية كالمعتقل ، الذي يشكل خلفية للزمن السردي الخطابي ، فهي اي الكاتبة تناقش الزمن من زاوية ان المكان أسير الخوف والقلق ، وهنا يتولد سؤال : هل يمكن بناء مكان طبيعي بظل تشنجات إنسانية ، وبسؤالها التي فرضته على القراءة النقدية ، لا تسعى إلى إجابة تقليدية ، او روتينية ، بل تبحث عن قلق الحدث المختبئ بين ثنايا السرد ، ( أخرجت عودا كان لا يفارق زوجي في سهراته ، صنعه بنفسه من خشب الجوز ٠ اذكر بأنه يظّل يعمل عليه لأكثر من خمسة اشهر ٠ عائلته تعشق الطرب والغناء في بلد الثورة التي صنعت الرجال وخرجتهم إلى ساحات القتال حين استحل اليهود دماء شبابنا واعراض بناتنا ص٦١ ) ٠
أننا امام سيرة ذاتية توظف تقنياتها الكاتبة للنص ، لكن ليست سيرة تقليدية او البحث عن سيرة تقليدية ، كما هو معتاد في مثل هذا التوظيف ، بل سيرة جمالية بصرية ، تجعل من القارئ يعيش اجواء السيرة دون افتعال ، او تدخل مباشر من الروائية ، تركت السيرة تنشر كلماتها على مساحة السرد ٠ واللافت في هذه النقطة على وجه التحديد ان الكاتبة ارخت مفردات الجغرافيا على ستائر النص ” الجوز ” الذي كان عنصر هام في صناعة العود ، لم يأتي هذا التوظيف من باب المصادفة ، بل جاء عن عمد وتقصد ، انها تبني وطن إنساني يتقن فن الحياة مقابل عدو يتقن قتل الحياة ٠ هذا المكون السردي الدلالي الذي يؤطره سياج من المفاهيم المنفتحة على فضاء التحول من العاطفي إلى الأنفعالي ، إن هذا التشخيص البادي في التحريك ، كأولى تباشير التحول من المفهومي إلى المحسوس ، يعد عنصرا زمنيا منخرطا في اختيار المواقف ٠ بعبارة اخرى لا يمكن للجانب التشخيصي ان يكون مجرد إطار فارغ مستعد لاستقبال عرض ” موضوعي ” يأخذ طابع الحقيقة التي تراها النعيمي ، ( شعرتُ بإرتباكه عندما عريته من قناعه ، ألقى نحوي نظرة احتقار باردة ولزجة انتفضت لها مسامات جلدي فانهالتْ عليّ الصفعات واللكمات من حيث لا أدرى ٠٠٠ ص١٢٥ ) ٠

هذا الارتباط المزدوج لا يحدد الأطار المرجعي للفعل بل رؤية للمضمون كشكل يتنامى مع الحدث ٠
وإذا كان التحريك يتمفصل في فعلين أساسيين : فعل إقناعي يقوم به المرسل ، وفعل تأويلي تقوم به الذات ، فإن القبول هو صيغة ثانية للتأويل بعد إرساء لقواعد الصراع الآتية ، ( ولسوء الحظ قام اليهودي اليمني باستدعاء دورية قريبة من مكان العمل ، فهرعوا وأطلقوا الرصاص عليه بكل دم بارد ص١١٣ ) ٠
القتل هنا ليس فعل روتيني بل منهج حياة ، يتقنه من آمن ان القتل استمرار وشرعية للفكرة التي يؤمن بها القاتل ٠ هذه الصورة الدرامية تحتل من الخيال ، خيال القارئ لا يركن للتعاطف بل للسؤال : لماذا يصبح القتل ممرًا للحياة ؟ وهذا اسلوب روائي قادر على استنطاق العاطفة على شكل سؤال ، الذي نحن في أمس الحاجة لتكريس ثقافة السؤال الذي هو مفتاح المعرفة ٠ بدلا من انتشار ثقافة التبرير وتعليق مشانق للفعل المنهزم في لحظة زمنية محددة ، فالهزيمة لا تمحى إلا بثقافة السؤال ٠
رواية حنظلة رواية مقاومة الذات العارية من كل سؤال وآليات القهر والقبح ، وحلقات التعنيف للذات على اعتبار الهزيمة قدر لا يمكن مقاومته ٠ كما انها رواية لا تخضع لثقافة تتجلى صورتها بأنها تتدحرج إلى قاع جب لا يمكن الخروج منه ، وثمة كائن خرافي يرسم مصائرنا ويبتسم ببلاهة وسخرية ٠

معلومة تهمك

تنبيه هام، المنشور يعبر عن رأي الكاتب ويتحمل مسؤوليته، دون ادنى مسؤولية علي الجريدة

تنبيه

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

معلومة تهمك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

%d مدونون معجبون بهذه: