الحلقة الثامنة عشرة من كتاب  صائد الطائرات

الفصل الرابع إنفجار البركان

الحلقة الثامنة عشرة من كتاب  صائد الطائرات
للكاتب والمؤرخ العسكرى د. أحمد على عطية الله

الطبعة الاولى عام 1999 بواسطة المؤلف
الطبعة الثانية عام 2008 دار الغد للطباعة والنشر
الفصل الرابع
إنفجار البركان
وقبيل فجر يوم السبت 6 اكتوبر تحرك هذا الركب شمالا .. وأستمر التحرك حتى أشرق الصباح فشاهد علوان ورفاقه من فوق ظهر السيارات تحركات ضخمة لمختلف وحدات الجيش ، وبصورة غير عادية الامر الذى أوحى اليهم انهم مقبلين على أمر هام وخطير ..وأثناء التحرك كانت أطقم الصواريخ منتشرة وموزعة بدقة حول لواء الصواريخ الذى يقومون بحمايته من جميع الجهات بصورة تسمح لهم بالاشتباك من وضع حركة من فوق ظهور سياراتهم ضد أى هجوم لطائرات العدو المنخفضة ..
ومالبث الركب المبارك أن استقر بمنطقة سرابيوم على الضفة الغربية للقناة فى مواجهة القطاع الاوسط من سيناء ..
وعند الساعة الحادية عشرة صباحاً من ذلك اليوم تلقى رجالا الاستريلا أولى التعليمات الغير مباشرة عن قرب اندلاع شرارة معركة الكرامة .. حيث أخبرهم قائد فصيلتهم أنه فى تمام الساعة الثانية من بعد ظهر ذلك اليوم سوف تقوم تشكيلات من قواتنا الجوية بعبور قناة السويس للقيام بمهام قتالية داخل سيناء ضد القوات الاسرائيلية .. لذلك فقد طلب منهم قائدهم أن يكونوا فى قمة اليقظة والانتباه ، وفى درجة استعداد قصوى لأنه ربما إستتبع ذلك رد من طيران العدو بهجمات مكثفة داخل حدودنا ..
وما كاد الجنود يستمعون الى تعليمات قائدهم حتى تصايحوا فى حماس :
* لايافندم .. دى موش عمليات محدودة .. دى حرب أكيدة ..
فرد القائد:
* موش هوه ده اللى أنتم منتظرينه ؟
فأجاب الجنود بحماس:
* أيوه يافندم هو ده اللى احنا عاوزينه ..
وبدأت تسرى فى نفوس الجنود روح جديدة مختلفة .. سعادة مشوبة بالرهبة ، والترقب ..
وفى تمام الساعة الثانية من بعد ظهر ذلك اليوم .. سمع علوان من فوق ظهر السيارة التى كان يستقلها مع أفراد مجموعته أزيز طائرات قادمة من الغرب على ارتفاع منخفض تكاد تلامس قمم أشجار هذه المنطقة الزراعية .. وبسهولة أمكن لرجال الصواريخ الاستريلا تمييز هذه الطائرات ومعرفة انواعها عندما مرقت فوق رؤسهم فى اتجاه القناة فى تشكيلات منوعة وباعداد كبيرة متلاحقة ..
أما عن الشعور الذى انتاب هؤلاء الجنود عند مشاهدتهم لطائراتنا وهى تعبر بكل الثقة والاعتزاز والقوة الى داخل سيناء فيعجز القلم مهما اوتى من بلاغة وفصاحة من وصفه .. لقد كان مزيجا من الشعور بالفخر والعزة والكرامة والكبرياء غمر الجنود المصريين فى هذا القطاع والقطاعات الاخرى .. لقد أمد هذا الشعور هؤلاء الجنود باحساس غريب من القوة الجبارة التى تمكنهم من فعل المعجزات .. لقد شعر علوان وقتها أن لديه المقدرة على تنفيذ أى مهام صعبة أو شاقة يكلف بها .. لقد شعر أنه يستطيع أن يحطم الصخر .. أن يحفر الآرض .. أن يشق البحر .. أن يطير فى الفضاء لو طلب منه ذلك ..
وتلى عبور طائرتنا القناة قصف مدفعى عنيف من مدفعيتنا الميدانية ضد نقاط خط بارليف ، وتجمعات العدو بداخل سيناء .. وحينئذ أدرك علوان ورفاقه وهم بقفون على أهبة الاستعداد على بعد حوالى 3كيلومترات من شاطئ القناة أن الحرب قد بدأت ..
ومرت عليهم الساعات ولأول مرة سريعة متتابعة وهم فى شوق الى العبور ، وإن كان الساتر الرملى الذى أقامته قواتنا من قبل على ضفة القناة الغربية ليستر تحركات قواتنا فى مواجهة خط بارليف الحصين قد أعاق مشاهدة علوان ورفاقه لموجات العبور والاقتحام من إخوانه جنود المشاة المصريين فى قواربهم المطاطية والمجنزرات البرمائية .. إلا أن صوت هؤلاء الجنود وهتافهم بصيحة ” الله أكبر .. الله أكبر ” كان يتردد صداها فى الفضاء وكأنها بينهم .. على الرغم انهم يبعدون عنهم حوالى 4 كيلومترات ..
ومع مغيب شمس ذلك اليوم كان الحماس والشوق قد ملأ نفوس رجال صواريخ الاستريلا وأخذوا يلحون على قادتهم فى الاسراع بالعبور الى سيناء الحبيبة .. وطمأنهم قادتهم بإنهم فى انتظار الاوامر بالعبور فى أية لحظة ..
وخيم الليل على المكان .. ولكن فى هذه الليلة كان مختلفا .. فهاهى الحرب قد بدأت والعبور قد تم .. والاعلام المصرية وقد ارتفعت فوق حصون العدو بخط بارليف الذى ترتفع منه ألسنة اللهب ، وسحب الدخان ، وتسمع أصوات الاسلحة الاوتوماتيكية ، وتبادل القصف المدفعى بينها صرخات مكتومة للقتلى والجرحى ..
وكان إنفجار البركان الذى ظل يغلى لمدة 6 سنوات منذ هزيمة يونيو 1967 وحتى هذا اليوم السادس من اكتوبر 1973 فصب حممه وجام غضبه على العدو الاسرائيلى الذى تصور من فرط غروره انه لن تقوم للجيش المصرى قائمة .. ولكنه نسى أو تناسى تاريخ هذا الجيش المجيد وهذا الشعب العريق الذى يظهر معدنه الاصيل عند المحن والازمات .. والذى يمد يده دائما بالخير لاخوانه واصدقائه فى موقف شهامة وبطولة نابعة من عراقته وأصالته ..


معلومة تهمك

تنبيه هام، المنشور يعبر عن رأي الكاتب ويتحمل مسؤوليته، دون ادنى مسؤولية علي الجريدة

تنبيه

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

معلومة تهمك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

%d مدونون معجبون بهذه: