خالد البغدادي ناقدا يحمل هموم الفن والمجتمع
خالد البغدادي ناقدا يحمل هموم الفن والمجتمع
بقلم / نجلاء أحمد حسن
خالد البغدادي الناقد الفني المتميز باعماله الابداعية وسيرته المكتظة بالانجازات المتميزة حول الفنون البصرية والفنون التشكيلية بشكل خاص والناقد الادبي المتبحر بعالم الكلمات والحروف والصور الادبية المختلفة وصاحب مبادرة متحف لكل محافظة وهي فكرة ابداعية تصب في حفظ التراث الثقافي والفني والتاريخي لكل ارض ولكل بيئة ، يقدم دكتور خالد البغدادي لقراءه كل اسبوع ، اطباق شهية من الثقافة الفنية بشكل مبسط يستمتع به القارئ العام ويحتفي بتفاصيله المتخصصون في مجال الفنون التشكيلية
عندما قررت بالكتابة عن تلك الشخصية الفنية المتفردة وجدت نفسي الهث وراء ابداعاته الزاخرة بالعديد من القضايا الفنية والمجتمعية الثرية والهامة في تاريخ حالة الفن التشكيلي والتاريخ لقامات الفنون من العصر الماضي والعصر الحديث نحن امام حالة ابداعية تكمن في شخصية ذابت في محبة الفنون التشكيلية وغاصت في هموم المجتمع العربي ، والتي لن يكفيها تلال من الافكار واهرامات من الحروف و انهار من الكلمات فله تاريخ ممتد من الابداع المتجدد ومايزال
خالد البغدادي ولد في 9-5-1968 ابن محافظة الدقهلية مدينة المنصورة المشعة دوما بالفنون والنور ومسقط راس العباقرة بداية من على مبارك ابو التعليم وصولا للفنان العالمي احمد الجنايني الفنان التشكيلى والاديب عاشق اللون وصاحب الفرشاة ، فقد انجبت الدقهلية أيضا أستاذ الجيل أحمد لطفى السيد كما أنجبت رائد الرواية الحديثة الدكتور محمد حسين هيكل، ومحمد التابعى أحد رواد الصحافة المصرية الحديثة، وزكريا الحجاوى أحد أكبر رواد الفن الشعبى، والشاعر والفنان عبدالرحمن الخميسى، والكاتب الكبير أنيس منصور، والناقد والكاتب الصحفى الراحل رجاء النقاش وشقيقتيه فريدة وأمينة وزوجها الكاتب الصحفى والمؤرخ صلاح عيسى رئيس تحرير جريدة القاهرة، وفى عالم الكلمة يأتى أيضا الكاتب الصحفى البارز محمود عوض، والكاتب والسياسى اللامع عبدالحليم قنديل، وفى مجال الشعر قدمت الدقهلية شاعر الجندول الملاح التائه على محمود طه، وشاعر الحب كامل الشناوى ومن العائلة أيضا الشاعر الغنائى البارز مأمون الشناوى، والشاعر المتمرد نجيب سرور، وصاحب موسوعة التاريخ الأندلسى المؤرخ محمد عبدالله عنان.
ويكمل الدكتور خالد البغدادي تلك السيرة والمسيرة الفنية التي يملؤها النور واللون والشعر والادب فهو مختلطا ممتزجا بالثقافات العربية والعالمية من خلال دراسته العميقة والتي حصل بها على الدرجة دكتوراه فى التربية الفنية تخصص نقد وتذوق وتاريخ الفن بكلية التربية النوعية جامعة عين شمس العريقة ومايزال كل اسبوع نيلقي لنا العديد من الاضواء العلمية حول الفنون البصرية والفنون الابداعية بشكل عام والتي تمثل كل منها خيطا وخطة بحث لدرجة علمية جديدة .
النور والضوء والثقافة في مخيلة الدكتور خالد البغدادي
شغلت تلك الفكرة من منظور فلسفي مخيلة الناقد والفنان دكتور خالد البغدادي حيث اتحفنا بالعديد من المقالات الموضحة لاتجاهه الفكري بالاهتمام الدؤوب بالنور بكل حالاته سواء النور المسيطر على السماء وما يحويها من نجوم واقمار وشموس واثره على الفن التشكيلي بشكل عام او فكرة التنوير الثقافي الشغل الشاغل لمسيرة الفنان خالد الفنية منذ ان كان استاذا للتربية الفنية بالتعليم الثانوي الى ان واصل مسيرته التنويرية من خلال عمله كاستاذ لتاريخ الفن بكليات الفنون الجميلة
هي مسيرة تقترب من رسالة للعالم بضرورة التعامل مع الفنون بانها جزءا لا يتجزء من الحياة الانسانية ولا تستقيم الحياة بلا باعمال الخيال و ممارسة الفن ومحبة الفنون هي احد ادوات الحياة التي منحها الله للانسان ليميزه عن باقي المخلوقات ؛ فالانسان هو المخلوق الوحيد الذي تميز بانتاجه الفكري والفني والخيالى كاحد دلائل الحضارة الانسانية عبر الزمن
التأريخ لحركة الفن ودوره بالمجتمع عند خالد البغدادي
اهتم بالدور الاجتماعي للفن فقد افرد لتلك الفكرة الحية العديد والعديد من المقالات والندوات الفنية التي لا يمكن حصرها عبر تلال الكلمات وجبال الافكار المفسرة لاهمية وعلاقة الفن بالمجتمع ووقام بالقاء الضوء بمقالة( الفن والمجتمع -الدور الاجتماعي للفن ) و الذي قام بالتأريخ للعديد من المبدعين مثل ناجي العلي ومحمد رضا منصور وغيره منس الذين اهتموا بالفكرة في عصره مثل دكتورة ايمان انيس (الفن وذاكرة المكان ) والدكتورة منى عبد اللطيف ( المراة والطفل والفن ) ونشاطهما الفني مع المجتمع فلا تنفصم العلاقة بين الفنون والبشر في اعمارهم المختلفة فالفن لا ينفصل عن المجتمع والفنان إبن مجتمعه الذى يتفاعل معه فى السراء والضراء ، وهنا يظهر الدور الإجتماعى للفن – ثقافيا ونفسيا وإجتماعيا- حيث يقاوم الفن القبح والملل والرتابة ويقاوم أيضا الإرهاب والعنف والتطرف، والفنون بشكل عام والفن التشكيلى بشكل خاص يمكن أن تلعب دورا هاما فى حياة الناس وتهذب من أفكارهم وسلوكياتهم وترفع درجة التذوق الفنى لديهم ، فمن يمارس الفنون لا يمكن أن يكون متطرفا أو إرهابيا.
لأن الطاقة والشحنة الداخلية لدية ستخرج بشكل إبداعى من خلال الفن بدلا من ان تخرج بشكل غاضب وعنيف ، وفى هذا السياق نتذكر الزعيم النازى هتلر ، الذى كان فى الأساس فنانا تشكيليا وحاول أن يلتحق بكلية الفنون لكنه تم رفضه ، وهو ما احدث تحولا نوعيا لديه فإتجه للعمل السياسى وتأسيسه للحزب النازى ومشاركته فى الحرب العالمية الثانية .. الخ ، فلك أن تتخيل ماذا كان يمكن أن يحدث للعالم لو تم قبول هتلر فى كلية الفنون الجميلة ، فبالتأكيد أن مصير العالم كله كان سيتغير ، وكان سيخرج طاقة الغضب لديه فى أعمال فنية وإبداعية بدلا من القتل والحروب .. وهنا تظهر أهمية الفنون فى حياة الشعوب
خالد البغدادي وقضايا الفن حول العالم
ولم يكتف د خالد البغدادي بحالة الفنون العربية والمحلية ، بل نقل نبض الحالة الفنية العالمية الى عيون وافكار القارئ العام ، من خلال مقال (فن بلا جذور ،لشعب بلا جذور ) فقد القى الضوء على الحروب الفنية التي تحدث حول العالم من وراء الستار بشكل بارد وحالة الارتباك المصاحبة والمؤثرة في حالة الفنون بين التكتلات العالمية وفسرها بشكل واضح على عدة محاور بشكل مهني عن طريق رصد تاريخ الفن الحديث بين اوروبا وامريكا عندما اكد المؤرخ الفرنسي ذو الاصل الايطالي( جيوفاني ليستا ) راي النخبة الاوروبية في تيارات الفن الحديث إن هذا الفن المعروف بالحديث يسمح للولايات المتحدة بإمكانية خلق فن أمريكي والتحرر من عقدة النقص تجاه أوروبا ..” التي كانت يسمونها [ أرض الفنون ] في عصور النهضة وما بعدها إنتهاءً بفرنسا التي كانت قبلة الفن والفنانين في القرن الـ 19 والنصف الأول من القرن الـ 20.
إلا أنه بعد الحرب العالمية الأولى – والثانية أيضاً – إجتاحت العالم رغبة عارمة في التغيير وخصوصاً لدى الفنانين ، لمحاولة بناء نظام جديد للعالم لاعتقادهم أن النظام القديم قد أثبتت هذه الحروب فشله الذريع لكن ما لبثت أن لاحظت بعض القوى الجديدة الناشئة والراغبة في الهيمنة والسيطرة ، هذه الرغبة القوية في التغيير لدى الفنانين ، فعملت على إستغلالها ومحاولة السيطرة عليها والاستفادة منها لتحقيق أهدافها الخاصة ، لإيمانها بقدرة الفن على التأثير ، وقناعتها بأن الفنانين هم ضمير العالم والقلب النابض للإنسانية،
وحينما تحدث عن فان جوخ ذلك الفنان السابق لعصره والعلمية العميقة في خيال فان جوخ رصدها لنا الفنان خالد البغدادي في مقاله الفني بعنوان (من لوحات فان جوخ الى صور ناسا ) وطرح من خلال المقال تساؤلات هل كان فان جوخ يرى ببصره ام ببصيرته ؟
حيث قارن بين صور وكالة ناسا للفضاء وبين لوحات فان جوخ التي ادهشت عصره وادهشت عيون وعقول العصر الحديث حيث صور النجوم والفضاء في لوحاته وكانت ضربا من الجنون في عصر فان جوخ وصدقته وكالة ناسا عبر تطابق صورها الفضائية الملتقطة بالتلسكوب العملاق جيمس ويب وهواحدث التقنيات في تصوير سماء فضاء الكون بلوحاته التي اظهرت علاقة الفنان فان جوخ مع الليل والنجوم وفلسفته المعقدة المستوحاة من فكرة التحدي الفني /التقني المتمثل في مدى قدرته على خلق الضوء من الظلام وكيف يخرج النور من العتمة كما تعكس المناظر الطبيعية الليلية في معظم لوحاته حالة من التصوف والاحساس اللامحدود بالاشياء في العديد من لوحاته مثل رصيف المقهى اثناء الليل 1888 – حقل القمح وشجرة السرو 1889 – ليلة مليئة بالنجوم 1889 – حقل القمح والغربات 1890
وعندما يحدثنا الدكتور خالد البغدادي عن الفنون الاسلامية عبر مقالات عديدة منشورة بجريدة القاهرة الصادرة عن وزارة الثقافة المصرية منها ( الحروفية العربية تجاذبات الصورة والنص) واخر بعنوان ( المنمنمات الاسلامية العبادة بالفن ) فقد جمع في مقاله العبقري بين التوضيح والعمق من ناحية وتفسير تلك المنمنمات الدقيقة الملونة للقارئ العام من ناحية اخرى ونظرة عميقة من منظور فلسفة الفن الاسلامي وانه لا تضارب بين الفن والحضارة الاسلامية
ويتميز هذا النوع من التصوير الإسلامي بخصائص مميزة تشمل الجوانب التقنية والأسلوبية والوظيفية التي يطمح إليها هذا التصوير، وتربط فلسفة التصوير في الإسلام بين العالم المادي والعالم الروحي . وبين الإنسان والكون في إطار عرفاني ينزع الى الكمال ويجعل من أعمال الفن وكأنها نوعاً من ممارسة طقس ديني .. وقد ارتبط هذا النوع من أعمال الفن بتطور المخطوطات التي تناولت شتى المعارف العلمية منها والأدبية ، وتعود أقدم المخطوطات إلى القرن الثاني عشر الميلادي ، وإن كانت أعداد قليلة منها معروفة في مصر وإيران منذ القرن التاسع الميلادي
ويبحر بنا الفنان خالد البغدادي ، بين الفنون الاسلامية بمقاله (الضوء والنور في الفن الاسلامي ) ويبدأ المقال بالايه الكريمة 35 من سورة النور ” الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح فى زجاجة الزجاجة كأنها كوكب درى يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضىء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدى الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثل للناس والله بكل شىء عليم ”
صدق الله العظيم واستخلص لنا فلسفة النور والضوء من خلال تلك الاية العظيمة وكيف تفاعل الفنان مه اهمية النور في الفكر والجمال الاسلامي
ر نطلق من فكرة (الله نور السماوات والأرض) ليجعل من أعماله الفنية مفعمة بإشراقة النور، ترفض الكآبة والحزن وتجعل من السطح الإسلامي فرحا بهيجا مليئا بالجمال والروعة.
وقد إنعكس هذا المفهوم فى فنون الشرق – وخصوصا فى الفنون الإسلامية – التى إستلهمت معنى النور فى كل فنونها .. سواء كان الإستلهام مباشر أو غير مباشر … وسواء ظهر ذلك فى الأعمال الفنية بشكل مرئى أو ومتوارى .. لأن الفنان الشرقى بشكل عام .. والمسلم بشكل خاص كان يهدف دائما الى التعبير عن البعد الروحى / العقائدى أكثر من إهتمامه بالتعبير عن البعد البصرى..!!
على عكس الفن والفنانين فى أوربا الذين تفاعلوا مع مفهوم الضوء بشكل مباشر ، سواء فى الحضارات القديمه أو فى الفنون الحديثة والمعاصرة ، إبتداءا من المدرسة التأثيرية وما بعدها .. التى إهتمت بتحليل نظرية الضوء والإستفادة منه تشكيليا مما أصابهم فى النهاية بحالة من الخواء النفسى والروحى جعلهم يبحثون عن مصدرا جديدا للنور يضىء أرواحهم وقلوبهم .. وهو ما إنعكس بشكل واضح فى أعمالهم الفنية ، وفى هذا السياق نستطيع أن نتفهم لماذا تأثر بيكاسو بالثقافة والفنون الإفريقية واليابانية أيضا .. ولماذا ذهب رينوار ودوللاكروا الى الجزائر .. وذهب ديجا الى المغرب .. وهرب جوجان الى جزيرة هاييتى .. كل هذا بحثا عن مصدرا للنور يدفأ الأرواح ويهدى القلوب وينير طريق الخلاص
حقا لم تتوقف الحالة الابداعية للفنان والناقد الكبير دكتور خالد البغدادي الذي ارهق من كتبوا عن ابداعاته الفنية والادبية ..
[…] خالد البغدادي ناقدا يحمل هموم الفن والمجتمع […]
[…] خالد البغدادي الفن والتكنولوجيا المعرض الافتراضي العالمي ( إن […]