الماء واحد والثمار مختلف الأنواع والألوان
كتب / السيد سليم
أن من دلائل قدرة الله وعظمته في الكون ما نعيشه من خلال قوله تعالي .أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ففي الآية الكريمة من حقائق العلوم ما يعجز العلماء عن كشف أسرارها وبيان أبعادها، وتحديد مقاصدها وأغراضها.. حتى أن الآية الكريمة شغلت البلاغيين والنحاة على مر الأزمان والعصور، وباتت موضعا للاستدلال والاستشهاد فقال تعالى : إنما يخشى الله من عباده العلماء وفي ذلك دلالة صريحة إلى حجم الإشارات العلمية التي تضمنتها الآية الكريمة..وهذه الإشارات جميعها تعبر في الحصيلة النهائية عن عظمة الخالق تبارك وتعالى وقدرته في الخلق وفق قوانين وقواعد ثابتة لا تقبل الخطأ ولا تسمح بالتغيير، قال تعالى: إنا كل شيء خلقناه بقدر فسار الكون وفق قانون واحد خاضع لإرادة واحدة هي إرادة الله تعالى.. فالله أنزل من السماء ماء.. وأخرج به ثمرات مختلفا ألوانها.. وجعل من الجبال جدد مختلف ألوانها.. وجعل الألوان وجعل الأسود.. وجعل الناس مختلفة ألوانها.. وجعل الدواب والأنعام مختلفة ألوانها.. وفوق هذا وذاك أنه جعل كل أولئك من الأحياء يعيشون على هذه الأرض وفق قانون واحد.. فاستخدمت الآية أداة التشبيه كذلك فالجميع يتلونون ويختلفون وفق نظام واحد. قال تعالى : ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها إذ تطالعنا تفاسير الكتاب الحكيم أن الغرض من ذكر إنزال المطر وإخراج الزروع والثمرات المختلفة الألوان على الرغم من كونها تسقى بماء واحد، يعد دليلاً من أدلة القدرة الباهرة والصنعة البديعة للخالق العظيم لما قرر الله تعالى وحدانيته بأدلة قربها وأمثال ضربها أتبعها بأدلة سماوية وأرضية فقال : ألم تر.. وهذا الاستفهام تقريري، ولا يكون إلا في الشيء الظاهر جداً والخطاب للسامع وترى في رؤية القلب لأن إسناد إنزاله تعالى لا يستدل عليه إلا بالعقل الموافق للنقل وان كان إنزال المطر مشاهداً بالعين لكن رؤية العين قد تكون مسندة لرؤية البصر ولغيرها وكما قيل فان القرآن الكريم كتاب الله المسطور، والكون كتاب الله المنظور.. فالتفت الخطاب القرآني من المسطور إلى المنظور للتنبيه إلى عظيم قدرة الله في مخلوقاته.. وذكر إنزال الماء من السماء إدماج في الغرض للاعتبار مع ما فيه من اتحاد أصل نشأة الأصناف والأنواع كقوله تعالى : تسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إذ قد يكون المقصود مجازاً جميع أنواع الثمرات فكنى عنها بقوله : مختلفاً ألوانها فقد جمع الخطاب القرآني كل أصناف الثمرات منبها إلى قانون الري الأول، أنها جميعا تسقى بماء واحد وهذا من عظيم صنع الله وقدرته في خلقه. أو قد يراد بها الألوان الحقيقية، فالثمرات ذات ألوان مختلفة فمنها الأحمر وفي قوله تعالى: فأخرجنا التفات من الغيبة إلى التكلم.. وقد التفت من الغيبة إلى التكلم لإظهار كمال الاعتناء بالفعل لما فيه من الصنع البديع المنبيء عن كمال القدرة والحكمة ولما في ذلك من الفخامة إذ هو مسند للمعظم المتكلم، ولأن نعمة الإخراج أتم من نعمة الإنزال لفائدة الإخراج فأسند الأتم إلى ذاته بضمير المتكلم وما دونه بضمير الغائب وفائدة أخرى مفادها اقتراب المتفكر بتلك العظمة الإلهية فصار كالحاضر فكان الخطاب فأخرجنا والالتفات كائن لأن الاسم الظاهر أنسب بمقام الاستدلال على القدرة لأنه الاسم الجامع لمعاني الصفات، وضمير التكلم أنسب بما فيه امتنان وجرد مختلفا من علامة التأنيث مع أن فاعله جمع وشأن النعت السببي أن يوافق مرفوعه في التذكير وضده والإفراد وضده، ولا يوافق في ذلك منعوته، لأنه لما كان الفاعل جمعا لما لا يعقل وهو الألوان كان حذف التاء في مثله جائزا في الاستعمال، وآثره القرآن إيثارا للإيجاز فيكون فيه إيجاز حذف حرف. وقوله تعالى: مختلفا نعت لثمرات، وقوله تعالى : ألوانها فاعل به ولولا ذلك لأنث مختلفا ولكنه لما أسند إلى جمع تكسير غير عاقل جاز تذكيره. فجمع التكسير يجوز فيه أن تلحق التاء وأن لا تلحق .وفي النهاية لا نملك إلا ان نقول.فسبحان الذي بيده ملكوت كل شي والله ترجعون..
تنبيه هام، المنشور يعبر عن رأي الكاتب ويتحمل مسؤوليته، دون ادنى مسؤولية علي الجريدة
تنبيه