دراسة تحليلية استنباطية للأسس الجمالية في القصيدة النثرية في نص( لحظة نعاس) للشاعرة ليلى الطيب الجزائر

لبنان

بقلم الأديبة سامية خليفة/ لبنان

دراسة تحليلية استنباطية للأسس الجمالية في القصيدة النثرية في نص( لحظة نعاس) للشاعرة ليلى الطيب/ الجزائر .

اكتسحت القصيدة النثرية مكانا وحيزا كبيرا لدى الشعراء لما تتمتع به من تكثيف في الصور الشعرية المجازية والتحرر من القافية وأوزان البحور الخليلية، لتكون التلقائية والأريحية من أسس جماليتها وهذا ما سنلمسه واضحا في نص الشاعرة ليلى الطيب (لحظة نعاس) .
ل(حظة نعاس) عنوان تنطلق منه الشاعرة معبرة عن ارتباط النص بلحظة زمنية وبحالة نفسية مرافقة لتلك اللحظة متوازية معها، وذلك من خلال عدة مقاطع هي بمثابة شذرات تومض عشقا .
كما وأن النعاس حالة استسلامية لا إرادية معاكسة للأرق.
ما الرابط بين هذا العنوان والقصيدة؟
في المقطع الأول تحدد الشاعرة اللحظة التي غمرتنا اي هي وطيف الحبيب اللذان أصيبا معا بحالة النعاس وذلك في آخر المساء وهي فترة رومانسية هادئة حيث عمدت الشاعرة إلى أحد المحسنات المعنوية وهو التبليغ في وصف الحالة وصفا واضحا رغم التورية فالمعنى الظاهر غيره في بعده الخفي وهو الاستسلام في ذوبان في حالة العشق مستخدمة لفظة أسماءنا للدلالة على وجود حبيبها معها كطيف وذكرى لا كجسد وواقع ، هناك تساؤل هو دليل الحيرة والقلق في قولها :”كيف غفوت في فناجين تمرده لأسقيه ولهي؟”
أعطته صفة المتمرد فسقته بخيالها ولهها، لعله يشعر بمقدار هيامها فيتراجع عن تمرده .
الشاعرة ترفض الواقع فتلجأ إلى الخيال لتخفف من حدة ألمها تقول :” رغم ازيز الخيبات “والأزيز هو صوت الرصاص فكم أطلق عليها من رصاص الخيبات وكم كانت محاولاتها فاشلة وهي تحاول كبح تمرده .تقول:”ويسقط الانتظار من يدي ” دلالة على اليأس المدمر ، تقدم الشاعرة وصف الحالة بأسلوب غير مباشر وبصور مكثفة وهذا من أهم مميزات قصيدة النثر.
في المقطع الثاني تعود للتبليغ عن حالة معاشة لا تبرح كيانها وهي رحيل الحبيب تعبر عن سأمها لهذا (المذاق) ترميزا على تكرار حالة الرحيل المريرة تتساءل : لم انكسرت ؟ والانكسار ترميز إلى حالة من الإحباط ثم تشبه نفسها بالطفل المشاكس للدلالة على تمسكها بحب يائس كما طفل مشاكس لا يهدأ حتى الحصول على ما يريد .الحبيب تحتجزه في روحها تعبيرا عن وفائها إلا أن الحنين يفقد صبره من أصيص حديثها . صور مجازية مكثفة ألبست فيها الحنين وشاحا فأنسنت الشعور ، ليكون الحديث ناميا في خلدها مزروعا في وجدانها كما فسيلة تنمو في أصيص .تلك الصورة المجازية الترميزية المبتكرة تبلغنا فيها عن يأسها حيث يكون الصمت أجدى، فما الحديث هنا إلا للتنفيس عن عشقها، أما في واقع الأمر فالصمت هو المهيمن حيث أن الآخر بعيد .
في المقطع الثالث تعود وتستيقظ من حلمها فتطلق على نفسها صفة حمقاء لانغماسها في (عشق تليد) أصيل متجذر في الروح تقول : ” أزور ودّه في يقظة حلم ” للدلالة على سيطرة الخيال وهيمنته على الواقع. تستطرد قائلة :”البعد حال مبتذل “للدلالة على تكرار هذا البعد ليصبح كما الثوب البالي لكثرة ارتدائه، لنصل إلى خلاصة أنها تظهر حبّا عاصفا من طرف واحد لا رجاء فيه ، سيطر على الواقع فمنحته الشاعرة الحياة بخيال خصيب وأمل لا يموت رغم أن الواقع صادم. كم اتقنت الشاعرة الغوص في أعماق المرأة العاشقة غير المستسلمة للحقيقة! استطاعت أن تنقل بمصداقية وبراعة كوامن المرأة التي تسيطر عليها العاطفة لا العقل وكل ذلك بأسلوب جاذب في صور مبتكرة .
في المقطع الرابع يسيطر الهذيان الذي يسببه الأرق المفرط ليعكس تهيؤات في صور، فكيف إن كان كل ذلك في ليل دامس معتم يطلّ طيفه على وجهها ، تواجهه بسؤال أشبه بالعتاب لتقول:
” مهلا لا تسقطني من آثار شكواي
هل يليق بك الغياب
تحت حبّات الندى ؟”
هي تشكو من شوق أدمى مهجتها فتعاتبه برقة الأنثى الجريحة متسائلة عن غيابه هو المختبئ حسب هذيانها تحت حبات الندى. كم هناك من شفافية! فالاختباء خلف الندى كناية عن رؤيتها له بوضوح رغم تلك المسافات الشاسعة ، الندى هنا فاصل رقيق، فحبيبها هو الساكن في نبضها. تواصل في هذيانها لتجده مقبلا عليها، تقول :
” عاجلني بقبلة على فمي
ليلملم ذكرياتي بضمة واحدة ”
هو البعيد عنها بعدا ماديا ولكنه الأقرب إليها من حبل الوريد ، وهي الناسكة في محراب العشق. هناك مبالغة في وصف المشاعر للتوكيد على قدرة الهذيان في السيطرة على الأفكار برعت الشاعرة في تصويرها للقارئ حيث تطغى الصور على اللغة، فاللغة لديها ليست أكثر من أداة توصيل للصور التي منحتها حياة حتى ليخال القارئ كما لو أن ما تهذي به هو حقيقة وليس مجرد تهيؤات .
في المقطع الخامس والأخير، تختتم الشاعرة بعد اليقظة من أوهامها القصيدة بلوم المطر الذي استفز فيها تلك المشاعر وتسأل الليلة الماطرة ( عن مظلة فقدت عذريتها ) كناية عن زخ المطر القوي مع الريح الشديدة التي لم تتوانَ عن إصدار صفيرها.
هيكلية القصيدة : نص نثري في خمسة مقاطع تبدأ كلها بجمل إسمية عدا مقطع واحد .
الموسيقى الداخلية تعكس رهافة المشاعر المتأرجحة بين همود وغضب وانفعالات وجدانية وشوق وتساؤلات وهذيانات وإحباط وألم وحزن.
الموسيقى الخارجية لا تعتمد فيها الشاعرة على القافية السجعية، كان نصها نثريا متحررا منها. اعتمدت على الصور المكثفة والإيحائية وعلى موسيقى في بنائية المفردات وتناسقها، فإن عدنا إلى الجمل نجدها تنتهي بالياء( ياء المخاطبة)،لم تعتمدها كقافية تسجيعية وإنما لضرورة استخدام لياء المخاطبة كتعبير لا اكثر.
هناك موسيقى في وزن الكلمات المنتهية بها الجمل وأتت مبعثرة لا متسلسلة في القصيدة .
على وزن فعيل مثل: رحيل – تليد – مغيب- وحيد.
وتشابه موسيقي في آخر حرفين مثل ظلام – قمصان – سؤال – شكواي.
قصيدة نثرية غنية بالصور المجازية المكثفة وفي لغة متينة أحسنت الشاعرة في اختيار ألفاظها والتنسيق فيما بينها .

معلومة تهمك

قصيدة الشاعرة ليلى الطيب

نص الشاعرة ليلى الطيب/ الجزائر

لحظة نعاس

في آخر المساء
غمرتنا لحظة نعاسْ
ذابت في العشقِ أسماؤنا
حتى أطراف الفجر
كيفَ غفوت في فناجين تمرده؟..
لأسقيه وَلَهي
رغمَ أزيزِ الخيبات
حتّى الأماني تأتي ضريرة..
لٲغمس السكون
في قليل مِنَ الذكريات
ويسقطُ الانتظار من يدي


سئمت مذاق الرحيل
فلمَ انْكسرت؟..
كالطفل المشاكس
أرتب لقاءً يروي أحداقي
وأنا أحمل متاهة السؤال
ووشاح الحنين فقد الصبر
من أصيص حديثي
محتجز أنت في روحي
عل لهفةّ تطفئ ظمئي
بضمّةٍ تغفر لهذا القلق


أيُّ غيبٍ هذا
و أنا بخريف ِ العُمر ِ
يجرنا الصمت
امرأةً حمقاء مسلوبة بعشق تليد
أزورُ ودَّهُ في يقظة حلم
ليدسّ قبلاته في فمي
ويسكت حواسّي
فأشتهي حضوره
هذا النوى حال ٌ مبتذل ٌ
على وسادةِ الجفنِ
تعرى قلبي
حاملاً فائض الحزن
في مقلة دامعة


على عتباتِ الظلام
يقضمُ بقايا هذيان
وأقانيمَ عَتمة
لا ليلَ يكفي
نبضًا يغريهِ الفضول
يطل ُ على وجهي
لا يُلائم ُ سريري َ
حين أُصاب ُ بالأرق ِ
مهلاً لا تسقطني من آثار شكواي
هل يليقُ بك الغياب !!
تحتَ حباتِ الندى؟..
عاجلني بقبلةٍ على فمي
ليلملم ذكرياتي بضمّةٍ واحدةٍ
دون عباءته ..

و ما كنت ُ ذا صبر ٍ

في أكمام ِ القمصان ِ
أحمرُ الشفاه ِ بقي عالقا
و ما كُنت ُ أنا
كتب على وجه المغيب
بدون َ بسملة ٍ
آب أخرج َبقايا أمنياتي
في قبلةِ الميلاد
لأرتقَ مواسم الحصاد
واستيقظَ النومُ حزينا كالناي الوحيدِ
هذه الليلة ألوم المطر
واسأل فيها عن مظلة فَقَدَت عذريتها ..

كُلّما ازداد َ صَفير ُ الريح َ

تنبيه هام، المنشور يعبر عن رأي الكاتب ويتحمل مسؤوليته، دون ادنى مسؤولية علي الجريدة

تنبيه

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

معلومة تهمك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

%d مدونون معجبون بهذه: