رئيس الحكومة القرطبية بإجماع أهلها

رئيس الحكومة القرطبية بإجماع أهلها
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن أبو الحزم جهور بن محمد بن جهور وهو أحد وزراء الدولة الأموية في الأندلس وأول حكام طائفة قرطبة، وقيل أنه كان أبو الحزم جهور بن محمد فهو كبير الجماعة ورئيس مجلس الشورى وزعيم قرطبة، فأصبح هو رئيس الحكومة القرطبية بإجماع أهلها ورؤسائها وأهل الرأي فيها، ومن هنا وبعد أن انفرد أبو الحزم بن جهور بالحُكم بلا منازع ينازعه، ولا خليفة ينادي بالحكم دونه، وهو رجل خبر السياسة والدهاء بحكم اشتغاله بالوزارة والكتابة وملازمة الخلفاء والمتسلطين على الخلافة، فعرفته التجارب أن التسلط والاستبداد طريق الزوال القريب، فابتكر نظاما سياسيا شوريا، أقرب إلى النظام الديمقراطي في وقتنا الحاضر، فلم ينفرد بالسياسة ولا بتدبير الأمور.

بل شكل مجلسا شوريا وزاريا من الوزراء وأهل الرأي والمشورة والقيادة بقرطبة، وجعلهم أهل رأيه، لا يصدر عن رأي إلا بهم، ولا بسياسة إلا بتدبيرهم، وسمى نفسه أمين الجماعة، وكان إذا سُئل قال ليس لي عطاء ولا منع، هو للجماعة وأنا أمينهم، وإذا رابه أمر أو عزم على تدبير، أحضرهم وشاورهم فيسرعون إليه، فإذا علموا مراده فوضوا إليه بأمرهم وإذا خوطب بكتاب لا ينظر فيه إلا أن يكون باسم الوزراء، كما أنه اتبع سياسة أخرى كانت أشد ذكاء ودهاء، فهو لم يفارق رسم الوزارة، ولم ينتقل من دور الوزارة إلى قصور الخلفاء والأمراء، بل دبرها تدبيرا لم يسبق إليه، وجعل نفسه ممسكا للموضع إلى أن يجيء مستحق يُتفق عليه، فيسلم إليه، ورتَب البوابين والحشم على أبواب تلك القصور على ما كانت عليه أيام الخلافة.

معلومة تهمك

ولم يتحول عن داره إليها، وجعل ما يرتفع من الأموال السلطانية بأيدي رجال رتبهم لذلك، وهو المشرف عليهم، وإضافة إلى هذا الدهاء السياسي الذي اتبعه أبو الحزم بن جهور فقد كان من أشد الناس تواضعا وعفة وصلاحا، وأنقاهم ثوبا، وأشبههم ظاهرا بباطن، وأولا بآخر، لم يختلف به حال من الفتاء إلى الكهولة، ولم يعثر له قط على حال يدل على ريبة جليس كتاب منذ درج، ونجي نظر منذ فهم، مشاهدا للجماعة في مسجده، خليفة الأئمة متى تخلفوا عنه، حافظا لكتاب الله قائما به في سره وجهره، متقنا للتلاوة، متواضعا في رفعته، مشاركا لأهل بلده، يزور مرضاهم ويشاهد جنائزهم، وهكذا تولى أبو الحزم جهور حكومة قرطبة والبلاد تعيش حالة توتر أمني فالبلاد تعيش بلا خليفة يحكمها، أو خليفة يلتف الناس حوله.

فكانت البلاد مسرحا للعابثين من محترفي النهب والسرقة، كما شهدت فسادا اقتصاديا حيث غلت الأسعار، وتدهورت التجارة، وعم الاستغلال، وارتفعت الضرائب والمكوس، ونهبت الأموال العامة من مختلسي أموال الدول، وعاشت كذلك تدهورا علميا وفكريا فليست هناك حكومة تعتني بالعلماء والأدباء والشعراء، وتنفق عليهم من الأموال ما هو كفيل بإبداعهم وتفوقهم، فكان النظام الجديد الذي ابتكره أبو الحزم بن جهور كفيلا بأن يقف أمام هذه التحديات، التي تعصف بدول وحكومات لو ساءت الإدارة وتعسف المتحكمون.

تنبيه هام، المنشور يعبر عن رأي الكاتب ويتحمل مسؤوليته، دون ادنى مسؤولية علي الجريدة

تنبيه

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

معلومة تهمك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

%d مدونون معجبون بهذه: