قراءة تحليلية نقدية  لكتاب العقد الحريري في أروقة الموضة والتشكيل

فن

قراءة تحليلية نقدية  لكتاب العقد الحريري في أروقة الموضة والتشكيل
تأليف الأستاذة الإعلامية /سعاد ثقيف إعداد دكتور. /. عمر البرج
ناقد وباحث في التراث المغربي
1- مدخل عام:
العقد أو الحلي فن لأنه مجموع المهارات الكفايات البشرية على اختلاف ألوانها، أشكالها، وانماطها ،فهي أو هو يمزج بين فنون الزمان، وفنون المكان، والفنون التجسيمية، والفنون الرمزية، وفنون المحاكاة، وفنون الخيال، وفنون التشكيل، إنه فن جامع، وهذا هو السر في جعله يخلق التأثير والتأثر عند كل فئات المجتمع.
العقد بكل اشكاله وانواعه وانماطه ثقافة نفسية تقرأ لأنها تتعشق بما لا زمان له، ولا مكان له، إنه قيمة تؤثر في الوجدان، فتكسر الزمكانية ،والعقائيدية ،والفيزيولوجية للذات ،واستبصاره ضرب من النزوع الرؤيوي الموغل في الاعتماد على الاجتهاد.
فعقد الحلى عامة ابتكار لتوصيل العديد من المعارف، الطقوس، والعادات، إنه صورة مبصرة للترويج السلوكي، والتقاليد، هو نقل المبصرات إلى ثقافة مجتمعية تتطابق كليا أو جزئيا مع مكونات المجتمع، لأنه يجسد والتلاقح ،والمثاقفة بين الشعوب، إذ هو ممارسة لمشروع إنساني يتجاوز زمكانيته رغم خصوصيته ،وهذا ما جعله يحتل الصدارة في أروقة الموضة والتشكيل، والحالة هذه عندما يكون عقدا حريريا.

فن
فن


من هذه المطلقات المعطيات تظهر أهمية كتاب الأستاذة الاعلامية المبدعة الفنانة سعاد ثقيف :العقد الحريري في أروقة الموضة والتشكيل. ،إنه كتاب توثيقي للأعمال اليدوية باعتباره نشاط صناعي، يمزج بين معارف نظرية ،ومعارف علمية، ومعارف فنية تراثية وحداثية. فهو يوجد خارج الفاعل، وليس على الفاعل سوى أن يحقق ارادته الفردية الجماعية، التوليد الجمال او المهارة في استحداث متعة اللذة الجمالية.
2- ومضات استبصارية لغلاف الكتاب.
علاقة العقد الحريري بالألوان :
إن مكونات العقد الحريري هي قوالب فنية تختلف فيما بينها لا على حساب صانعها، أو صورها، أو مكانها، او عناصر تكوينها فحسب، ولكن كذلك حسب بنيتها الفنية ، إنها تجميع لعدة عناصر يرجع إلى الشكل، والألوان، والتناسق، والبنية والرسوم،. كل ذلك يعطي للعقد الحريري وحدة عضوية كأنه قصيدة شعرية، او معزوفة موسيقية تدفع المبصر إلى قراءته حسب ثقافته وعاداته وسلوكه ونمط عيشه، وزمكانيته ومعتقداته.
فالألوان لها دلالات ومعاني وتأثيرات نفسية مختلفة على الأشخاص وعواطفهم، فهو ليس مجرد موجات كهرومغناطيسية، او اهتزازات نفسية فقط، بل يعد اللون أقوى أداة في التصميم، لأنه يقوم بزيادة الجاذبية البصرية، وزيادة التنظيم، واستيلاب المشاعر والإعجاب.
يعتقد علماء النفس ان تأثير الألوان في عقد الحلى عامة يساهم في حملة التسويق أولا، بغض النظر عن دلالات ذلك العقد كموروث ثقافي لامادي. فعقد الحلي الحريري ذات الألوان الدافئة كلون غلاف الكاتبة سعاد ثقيف، له مشاعر مختلفة تتراوح بين الراحة والدفء، واللوحة التي وضع عليها العقد الحريري ذات الألوان الباردة التي تبعث الاحساس بالهدوء وتقليل إجهاد عضلات العين، مما تساعد في تخفيف التوتر والضغط على استبصار الغلاف،
كل ذلك أعطى للغلاف رونقا جمالية وجلب المبصر إليه. انه إبداع في حد ذاته بل عقد ورقي إن لم نعتبره لوحة تشكيلية.
3- قراءة تحليلية المحاور الجزء الثاني للكتاب :
من خلال المعروضات والإهتمام بالموضوعات يتضح لنا بأن العقد الحريري كثقافة اللامادية فنية تتحرك فيها الفاعلية الإبداعية، إنه يرسم لنا ملامح بنيوية للمجتمع المغربي. فالعقد صورة مبصرة تتحول إلى حروف ومعاني ومقولات، سلوكيات، وتقاليد، وعادات، وأنماط عيش. لهذا يصبح إبداع أي عقد محفوفا بالمخاطر لأنه قد يمرر ما يفسد القيم والعادات والمعتقدات.
لقد بدأ فن عقد الحلى عامة مع بداية وجود الإنسان على الأرض، ولعل اول نماذج العقد والحلي هو وضع الأحجار والصدفيات في عنق او صدر الحسناوات والجواري والمغنيات والخدم والعبيد، وقد تطور مع تطور الإنسان مع العصور، وكان لكل مرحلة من مراحل تطوره يعبر عن تصورات مجتمعية وأحاسيس انسانية وطقوس عقائدية، سواء الحرير أو الوشم أو الريشة، او النحت، او اللؤلؤ الألماس أو الورود.
من خلال عقد الحلى يمكن أن يعلن المرء تاريخ البشرية في ثقافته اللامادية، لأنه يندرج ضمن فنون النضج والتوثيق، إنه حركة ثقافية من حركات انسانية اللامادية والتي تسعى إلى الرغبة في اللقاء الاندماج والتلاقح، والتثاقف، فهو يشكل تلويحا رمزيا يلبى شهوة اختراق خفي لإشباع رغبات مدفونة او مكبوتة في الإنسان.
لقد اهتم النقد الاورو-أمريكي أيما اهتمام لمعرفة العلة التي دفعت البشر في كل مكان وزمان إلى ممارسة إبداع الحلي بكل أشكاله وانماطه، والحقيقة أن الموروث الفني العربي والإسلامي، الموروث الاغريقي اليوناني، الموروث الهندي الفارسي، والبابلي والفينيقي شديد القدرة على الاسهام في الاستجابة لهذه المسألة الإشكالية الحساسة، ذلك أن التراث الفني عامة هو فقه النفس البشرية الذي من دونه سوف يتعذر علينا وجود التحليلات والنقد.
إن متعة اللذة التي يخلقها العقد الحريري بل أي حلي في النفس هي التي تنزع الإعجاب اولا، وتحقق ارضاء الحس الإستيطيقي لدى الإنسان، فهو نشاط تلقائي حر، لكن مؤسس وبناء، لا يقتصر على الخلق والابداع وحدهما، بل يشمل التذوق والمشاركة الفنية التي تصلح لتكون بمثابة منبهات أو مؤثرات تثير لدينا بعض الاستجابات المرضية، إنها منبه ومؤثر حسي ترسل موجات لجهازنا العصبي.
من خلال محاور الكتاب في جزءه الثاني والذي يضم ما يلي:
1- العقد الاخضر
2- عقد نسمة الربيع.
3- العقد المرجاني.
4- عقد الليلة المضاءة ،
5- العقد الوردي.
نشير كما يرى الناقد (لاكروا) بأن الفن نشاط صنعي محض، ويرى عالم الجمال الفرنسي الشهير ( شارل لالو) بأن الفن بالمعنى الواسع لهذه الكلمة هو عبارة عن عملية التحوير او التغيير الذي يدخلها الإنسان على مواد الطبيعة، أو على حد الفنان الإيطالي (بيكون) الإنسان مضافا إلى الطبيعة بكل متجلياتها.
فهذه الأعمال اليدوية في ورشة المؤلفة المبدعة الفنانة سعاد ثقيف وبما تبوح به اعمالها الفنية ليس بالمعنى العقلي الذي يمكن فهمه وتأويله فحسب، وإنما هو دلالة وجدانية تدرك بطريقة حدسية مباشرة، فبلاغة العقد الحريري عندها تقاس بمدى حدة صبغتها التأثيرية، او شدة شحنتها الوحدانية، لأن العمل الفني المعبر عندها هو بالضرورة عمل فني في تعبيره ويخلق التأثير والتأثر. وهذه أبرز سيمات الفن.
4- مكونات العقد الحريري عند سعاد ثقيف
من خلال استبصارنا لأعمال المبدعة سعاد ثقيف في كتابها العقد الحريري في أروقة الموضة والتشكيل يستشف منها انها تشتغل بعناصر ثلاثة تدخل في تكوين العقد الحريري، ألا وهي على التعاقب والتداخل :
1 – المادة 2-الموضوع 3-التعبير
– المادة :
المادة الخام لا تكتسب صبغة فنية إلا بعد أن يكون الفنان أو السباك أو الطراز أو الصانع، او المبدع قد امتدت يده إليها فخلق منها محسوسا جماليا، نشعر بها حين نكون بإزاء استبصارنا أنه اكسبها ليونة وطواعية بفعل المهارة الفنية، ولابد للمادة ان تبدي ثراءها الحسي على يد الفنان المبدع لذلك من الضروري معرفة الفنان مكونات المادة المراد الاشتغال بها لأنها هي التي توحي بالموضوع، لهذا اختيار الحرير من أصعب المواد تكوينا وطواعية.
– الموضوع :
المقصود به الطراز النموذج أو المضمون، إن علماء النفس بينوا لنا أن ثمة علاقة وثيقة بين المادة والموضوع والإبداع الفني في الحلي بكل أشكاله وأنواعه وانماطه. إن اختيار الفنان الصانع السباك الطراز لموضوعه يكاد يكشف لنا طبيعة شخصه وشخصية محيطه وثقافة مجتمعه في كل مكان وزمان، من يصبح الموضوع مجرد رمز في العقد الحريري او الحلي عامة، ولابد ان يندمج في صميم التعبير الفني نفسه فيكون الحلى والعقد هو موضوع لذاته لأنه ينطوي على رؤى وتعبير فني، وعلى هذا الأساس نجد الفنانة سعاد ثقيف تصنف أشكال العقد بحسب المناسبة وتعاقب الليل مع النهار والفصول.
– التعبير :
إذا كنا نلاحظ بأن موضوع العقد الحريري او الحلي بصفة عامة ينضج هو نفسه بالمعنى، فإن هناك هالة أخرى من المعاني التي تشع حول العقد او الحلي بفضل ما ينطوي عليه من تعبير، فالتعبير ينطوي على غزارة في المعنى، بحيث لا يكون ثراؤه ناتجا عن غموض أو تجدد، بل عن عمق وتنوع، فالموضوعات التي يعبر عنها العمل الفني في العقد او الحلي سرعان ما تتحول إلى موجودات، أو علامات، أو أمارات حسية، ومن ثمة هي ثقافات اللامادية لأنها تكتسب عمقا وجدانيا يتخطى العقل، يقول الباحث اليوناني في الفنون التراثية (مالرو) :**إن الفنان العظيم لهو ذلك الكيماوي الساحر الذي اهتدي أخيرا إلى السر في صناعة الذهب، وأن كان لا يصنع الذهب بطبيعة الحال، ولكن الناسخ، أو الناقل لرغبات المجتمع السلوكية الإنسانية.
إن الوظيفة الأصيلة للتعبير إنما هي أن تجعل من المحسوس لغة انسانية تحمل طابع الطراز أو السباك أو الفنان ،فتكشف لنا عما يكمن في الواقع من ماهيات وجدانية، فهو ذلك الخالق المادي الذي ينظم العالم عن طريق مجموعة من الوسائط الاستيطيقية الخاصة وفي مقدمتها وساعة جمالية التعبير، فعبقريته تتمثل في أن يعبر عن الواقع بعمق، وبذلك يكون العقد او الحلي قد وحد بين الموضوع الجمالي والموضوع الطبيعي، فأعطى ثقافة تتجاوز زمكانيتها رغم ظهور خصوصية المنتوج،
فالأستاذة المبدعة سعاد ثقيف قد أعطت لثقافة العقد الحريري بهذه المكونات لمسات سحرية تراثية تدل على تجذر ثقافة العقد الحريري في حياتها الاجتماعية وتكوينها الفني ،فطوبى لها ولأمثالها بهذا التوثيق الفني لحياة المرأة والمجتمع المغربي.
5- إستنتاج عام
لقد إستطاعت الأستاذة الإعلامية الفنانة سعاد ثقيف ان تضفي على أعمالها اليدوية الحريرية طاقة إيجابية تنهض أولا من عدم ابتذال المضمون التراثي الأصيل، وكما تنهض ثانيا من كونه حاملا الانفعال وجداني، حاملا لمقولات اجتماعية جمالية يهيمن عليه الاحساس الانفعالي المكثف بثنائيات مضمرة ومعلنة في حياتها تربيتها الاجتماعية، فهي تبرز في كل عقد حريري ثقافة اللامادية متشبثة بأصالتها المغربية مما يجعل العقد الحريري يكتسب فعلا وبدون منازع مكانته المتميزة في أروقة الموضة والتشكيل.

معلومة تهمك

تنبيه هام، المنشور يعبر عن رأي الكاتب ويتحمل مسؤوليته، دون ادنى مسؤولية علي الجريدة

تنبيه

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

معلومة تهمك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

%d مدونون معجبون بهذه: