مقالتى اليوم بعنوان البقشيش
بقلم الأستاذة سحر كريم
البقشيش أو البخشيش كلمه ذاع صيتيها بين الكثير من البشر بإختلاف أنواعهم وجنسياتهم حول العالم من خلال نافذه التعامل بين فئات البشر المختلفة فى جميع بلدان العالم
وإختلفت الآراء وتشعبت حول مفهوم تلك الظاهره وتاريخها بعد أن سلطت الأضواء عليها فى الآونة الأخيرة لكثره تواجدها فى المجتمعات وخاصة المجتمع المصرى الذى أصبح يعانى من تلك الظاهره التى لا تجد إلا جسرا تمر من عليه بفن وإحتراف يثير الدهشة لدى الكثير من الناس
تلك الظاهره التى يسميها البعض إكراميه وهو مبلغ من المال يضاف للسعر الأساسى للسلعه أو عند تقديم خدمه يطلبها البعض منا فى أغلب الأوقات والأماكن المختلفة على مستوى الدول
ويطلبها عمال الخدمات المختلفة وسائقى الأجرة أثناء نقل البضائع والركاب
فمنهم من يعتبرها فكره للحصول على أفضل خدمة مما هو متبع ومنهم من يعتبرها ظاهره صحيه تدل على التواصل الإجتماعى بين فئات المجتمع المختلفة ومنهم من يعتبرها ظاهره سلبيه ذات تأثير ضار وخطير على المدى البعيد فى المجتمعات كافه
ويختلف مفهوم البقشيش من دوله إلى أخرى فقد يكون إلزاميا أحيانا وقد يكون عيبا أو رشوه فى أحيان أخرى وجريمة يعاقب عليها القانون إذا توافرت أركانها
وبدأت فكره البقشيش فى أواخر القرن التاسع عشر ميلادى فى المملكة المتحدة (بريطانيا) كنوع من الإستعجال لتقديم المشروبات سريعا ثم إنتقلت ثقافة البقشيش للولايات المتحدة الأمريكية كنوع من الثقافة التى نالت إعجاب البعض ورفضها البعض الآخر رفض قطعى
وأصبحت ظاهره حائره مابين مؤيد كفكره ثقافيه فى كيفية الحصول على المال وبين رافض للفكره قائم بكافه الطرق من إحتجاجات للتخلص منها
وأصبح فيما بعد فكره البقشيش إلزاميا فى أمريكا أكثر من أى دولة أخرى فى العالم
وتناولت على مر العصور كلمه إكراميه كنوع من المجانيه أو المال المقدم نظير خدمة معينه
وإستخدمت تلك الكلمه عام ١٧٠٧م فى مسرحية جورج فاركوهار كنوع من الهديه المجانيه والنكته والبرهان
ويعتبر من أسباب إنتشار فكره البقشيش فى العالم هو رغبة حصول رجال الأعمال والأثرياء على الخدمات السريعه ذات الجوده العاليه إلا أنه على الرغم من ذلك تعتبر بعض الدول أن تلك الظاهره بمثابة مهانه مثل ايسلندا ونيوزيلندا واليابان
ويفسر البعض الإكراميه بأنها الضرب بذكاء ولكن برفق لما لها من تأثير على من يقدمها ويقوم بدفعها مجبرا على أدائها
ويعتبر مديرى المطاعم والأماكن السياحية أن دفع الإكراميه نوع من التحفيز لجهود العامل وكنوع من إعطاء هديه صغيره من المال للعامل
وإستخدمت الإكراميه بوجه عام فى بعض الدول كنوع من الأجرة لسائق التاكسى أو كعربون للشراء أو حجز طاولة لتناول الطعام وذلك إذا كانت الخدمه فقيره ويحتاج صاحبها لنوع من الخدمات الخاصة يضطر العميل لدفع مبلغ من المال مقابل الحصول على تلك الخدمات
تلك العاده التى ماهيه إلا مسأله عادات إجتماعيه وآداب وإختلاف للعرف بين البلدان
ولكن متى يعطى البقشيش ولمن ؟
يعطى البقشيش إذا قام شخص بعمل بشكل أفضل وأسرع فإعطاءه الإكراميه دليل لإظهار الإمتنان لما فعله من جهد فما هى إلا كلمه شكرا لأولئك الذين نادرا مايسمعون هذه الكلمة السحريه
ويعطى البقشيش أيضا كحافز لمن يقوم ببعض الأعمال بشكل منتظم وكحافز لموظفى الخدمه ولم يكن إعطاء البقشيش مختصرا على ذلك فقط بل إذا شعر صاحب الشأن بأن العامل دخله صغير ويحتاج إلى صدقه يمكن أن يكون على شكل إكراميه وخاصا إذا كان تلك العامل يتقاضى أجر ضعيف
ولكن هل هناك قانون يلزم العميل بدفع الإكراميه وماهيه الصدقه التى يجب إخراجها لهؤلاء الناس ؟
الصدقه ماهيه إلا نوع من التقرب إلى الله ولها أثر كبير على كيان المجتمع فهى تعمل على بث روح التعاون بين أفراد المجتمع ولها أنواع كثيرة من المال
فالصدقه طوعية من مال الفرد وممتلكاته أما إذا كان لا يملك مايتصدق به فعليه العمل لإعطاء الصدقه من ماله الذى يحصل منه على رزقه وهذه الصدقه تعطى الفقراء الذين لا يجدون مايحتاجونه من مأكل وملبس ومشرب أو ممن هم فى حاجه للمال ممن لا يجدون مايكفيهم وما يكفى حاجاتهم وغيرهم ممن يستحقون الصدقه
فربما تكون نائما فتقرع أبواب السماء الدعوات لك من فقير أعنته أو جائع أطعمته أو حزين أسعدته أو عابر إبتسمت له أو مكروب دفعته عنه تضييق فتنفرج دنياك فجأة
إلا أن للإكراميه عواقب وخيمة إذا كانت تدفع بقصد الرشوه فالرشوه ماهيه إلا نوع من المتاجره بأعمال الوظيفه من أجل تحقيق مصلحه خاصة تتمثل فى الكسب الغير مشروع من الوظيفة وهى جريمه يعاقب عليها القانون
وقد تخلق الإكراميه نوع من الطمع لدى الكثير ممن يحصلون عليها وتزداد الرغبه من الفرد فى الحصول على المال من أى شخص دون النظر للعواقب التى تنشأ من جراء ذلك
فالطمع لا يجنى إلا ثمار الندم شئنا أم أبينا يوجد دائما شخص فى حياتنا يمد عينيه إلى مانملك يتمنى زوال نعمه الله عنا يحصى علينا ضحكاتنا ولا يتوقف عن المقارنه بيننا وبينه يريد دائما أن يحصل منا على مال لكى تتساوى الرؤوس ويقترب منا لكى نخسر دائما ولكى نشعر بالفقر حتى ولو كان تلك الشخص غنيا ولكنه طامع فما القناعه والطمع إلا الغنى والفقر فربما فقير هو أغنى بقناعته وربما غنى هو أفقر بطمعه
ويزداد الطمع للحصول على أكبر قدر من المال من أى شخص لديه مال حتى ولو كان بسيط يتجولون فى الشوارع وفى الأزقه باحثين عن إناس يأخذون منهم أكبر قدر من المال رغم إنهم يشغلون وظائف فى الدوله ولكن هل من مزيد
فكلما كان العطاء كثيرا كان الخذلان أشد إيلاماً كأنك تهدى أحدهم روحك ثم يسألك ماذا أعطيتني ؟
فنحن لم نخلق للبقاء ولكن نصنع أثرا طيبا يبقى من بعدنا فأرواحنا خلقت لفتره من الزمن وسترحل فهى دنيا وليست جنه
فإن أغلب خيبات الأمل تأتى بسبب إرتفاع سقف التوقعات
فالإكراميه أو البقشيش ماهما إلا سبب من أسباب إندلاع المشاكل والقضايا التى لا حصر لها أمام المحاكم التى تصل فى بعض الأحيان للإدانه فيها بالسجن ورغم محاربه الكثير من الدول لتلك الظاهرة المتفشية منذ زمن طويل إلا أن التاريخ قد أثبت أن كل الأنظمة تزول وتبقى الاكراميه على مر العصور تتغلغل فى جميع أرجاء الأرض ولا يوجد أمامها حواجز ثقافيه أو دينية
ويبقى السؤال المحير لدى الكثير من الناس هل البقشيش صدقه يجب إخراجها لمن يستحقها أم إنها مطمع لكثير من الناس والتى لا يفسرها البعض منهم سوى إنها واجبه والزاميه على الأفراد والأغنياء تجاهم ينتظرون المزيد منهم من المال ولا يكتفون بالقليل منه
فأسوء الأزمنة زمن تختلط فيه أقدار الناس ويصبح الصغير كبيرا والكبير صغيرا ويغدوا فيه الجاهل عالما ويصير العالم جاهلا ويموت فيه أصحاب المواهب ليقفز على قمته الجهلاء ويبقى الفقير ماهو إلا شخص لا يجيد التصنع أو التلاعب بالأقنعه يغيب عن أعينهم فجأة ولكن لا يغيب عن قلوبهم أبدا ولا أحد ينتبه لنظراته الشارده وأفكاره المثقوبه الذى يستطيع من خلالها خداع نصف العالم بأنه بخير ولكنه يرجو من الله أن يكون كذلك فعلا
فالبعض يريد أن يحصل على المال منا ولا يريدنا نحن والبعض الآخر يريدنا نحن ولا يريد منا شيء أشخاص يحبونك وقت الفراغ وأشخاص يتفرغون لمحبتك وهنا يكمن الفرق
ويبحثون وينشغلون بعيوب تلك الأشخاص الذين أعطوهم مما أعطاهم الله لا لشئ سوى إنهم إناس أرادوا الرفعه بين الناس فعجزوا
ولا يبقى إلا من تصدق بالمال من أجل الصدقه يشعر بإحساس أنه لم يظلم ولم يخذل ولم يتخلى ولم يترك أحدا فى منتصف الطريق يهنأ بنومه واثقا بأنه كان خير سند لمن لجأ يبحث فى دفاتره القديمه عن مرحلة بيضاء من العمر ورفاق لم يكن لمصطلح الخذلان فى قائمتهم أثر كطفل هرول إلى أمه باكيا فتلقى صفعه ليكف عن البكاء خزلان فلا حسره على مغادر ولا أسفا على راحل ولا حزنا على كاذب ولا تفكير بمنافق وإنما السعاده فى العطاء
إنها ظاهرة إختلف الكثير فى مفهومها ومضمونها بعد أن تفشت فى المجتمع وأصبحت مهنه أكثر من أن تكون إحتياج ومحورا لحديث الكثير من الناس ولم يبق سوى النظر إليها بعد أن أصبحت أسلوب فاق كل التوقعات
نقطه ومن أول السطر
Sahar korayiem
معلومة تهمك
تنبيه هام، المنشور يعبر عن رأي الكاتب ويتحمل مسؤوليته، دون ادنى مسؤولية علي الجريدة
تنبيه