الخنساء شاعرة الرثاء
الخنساء شاعرة الرثاء
كتبته : وجدان عوض
الباحثة في علم النفس والدراسات الإسلامية
هي تماضر بنت عمرو بن الحارث السُّلمية، صحابية جليلة وشاعرة مخضرمة، اشتهرت بالوفاء وقوة الشخصية وصلابة الموقف، وعرفت بتشبيه لها بالبقرة الوحشية في حسن عينيها وارتفاع أرنبتي أنفها ، ولدت وعاشت في الجاهلية، وأدركت الإسلام واعتنقته فخلدها شعرها .
معلومة تهمك
كانت لبيبة عاقلة وكان الناس يعلمون قدرها ومكانتها ومهارتها في الشعر حتى أجمع أهل العلم بالشعر انه لم يكن هناك امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها ، لقد كانت شهرة الخنساء رضي الله عنها قد ذاعت وطار صيتها في كل مكان وخاصة من خلال مراثيها ، فلقد تركت بعد موت أخيها صخر ديوانا كان الأول من نوعه في شعر المراثي والدموع….ومع كل هذا فهي كانت شخصية قوية تتمتع بالفضائل والأخلاق العالية، والرأي الحصيف، والصبر والشجاعة.
وقد تَفجر الشعر على لسانها بعد فجيعتها بأخيها صخر في الجاهلية، فرثته رثاء حزينا جعل منها أعظم شاعرة للرثاء، ومن أجمل قصائدها في صخر القصيدة التي مطلعها:
قَذىً بعينيك أم بالعين عُوَارُ ** أم أَقْفَرَتْ إذ خَلَتْ مِن أهلها الدار
ومن جميل ما قالته أيضاً:
أَعَيْنَيَّ جُودَا ولا تَجْمُدَا ** أَلَا تَبْكِيَانِ لصَخْرِ النَّدَى
ألاَ تَبْكِيَانِ الجَرِيءَ الجميلَ ** أَلَا تَبْكِيَانِ الفَتَى السَّيّد
وكان إسلام الخنساء عندما جاءت مع قومها من بني سليم فأسلمت معهم ، وحزنت على كل الخير الذي فاتها وعلى العمر الذي مضى بعيدا عن هذا النور ، ولكنها عزمت على أن تستدرك كل ما فاتها وان تضحي بكل ما تملك من أجل نصرة هذا الدين العظيم
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أَمَّا أَشْعَرُ الناس، فالخنساءُ بنتُ عَمْرٍو، وَأَمَّا أَسْخَى الناس، فمحمد يعني نفسه صلى الله عليه وسلم، وَأَمَّا أَفْرَسُ الناس، فعلي بن أبي طالب”
وكان يقول عليه الصلاة والسلام إن من البيان لسحرًا وإن من الشعر لحكمة فهو ديوان العرب وخزانة حكمتها ومستنبط آدابها ومستودع علومها، ولا تدع العرب الشعر حتى تدع الإبل الحنين . وكان يستمع صلى الله عليه وسلم إلى شعر الخنساء وهي امرأة ويستزيدها قائلاً:”هيه يا خناس”
وقال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه للخنساء: «ما أقرح مآقي عينيك» ؟ قالت: «بكائي على السادات من مضر» ، قال: «يا خسناء إنهم في النار» ، قالت: «ذلك أطول لعويلي وبكائي»
وفي يوم القادسية قدمت الخنساء أبناءها الأربعة لينالوا شرف الشهادة في سبيل الله وفي سبيل هذا الدين، فبعد أن ملأت الدنيا بكاء وعويلا على موت أخيها صخر في الجاهلية ، والتي كانت تحبه حبا جما لأنه كان حليما جوادا محبوبا في العشيرة، نتعجب كيف تحول هذا الجزع والتصدع والاعتراض على الله لموت أخيها كيف تحول إلى صبر واحتساب عند موت أبنائها وهم اشطار كبدها ونياط قلبها ،حين خرجوا إلى معركة القادسية وكانوا أربعة فكان مما اوصتهم به قولها
(يا بني إنكم اسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين والله الذي لا إله هو إنكم لبنو رجل واحد ، كما أنكم بنو امرأة واحدة ،ما هجنت حسبكم، وما غيرت نسبكم ، واعلموا أن الدار الآخرة خير من الدار الفانية . اصبروا ، وصابروا، ورابطوا، واتقوا الله لعلكم تفلحون ، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها ، وجللت نارا على ارواقها، فيمموا وطيسها، وجالدوا رسيسها، تظفروا بالغنم والكرامة، في دار الخلد والمقامة)
فلما أصبحوا باشروا القتال بقلوب فتية، وانوف حمية ، فإذا فتر أحدهم ذكره إخوته وصية الأم العجوز، فزأر كالليث ، وانطلق كالسهم، وانقض كالصاعقة، ونزل كقضاء الله على أعداء الله، وظلوا كذلك حتى استشهدوا واحدا بعد واحد.
وبلغ الخنساء نعي الاربعة ابطال في يوم واحد ، فلم تلطم خدا ولم تشق جيبا ، ولكنها استقبلت النبأ بإيمان الصابرين، وقالت : (الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته).
ولا نستطيع الا ان نقول انها معجزة من معجزات الإيمان الذي يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده، وهو الإيمان الذي يغير من حال الى حال، والذي ينقل المؤمنين من دنيا الجهالة الى عالم المثل العليا والقيم الرفيعة والأخلاق العاليه والشوق الى رضوان الله.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: ” من احتسب ثلاثة من صلبه دخل الجنة قالت امرأة: واثنان؟ قال: واثنان” ولكن الخنساء لم تحتسب اثنين ولا ثلاثة ، بل احتسبت أربعة من الفرسان ، فهنيئا لها ثم هنيئا لها
وقد رحلت الخنساء بعد أن صاغها الإسلام أعظم صياغة لتكون مثالا للام الصابرة المجاهدة المحتسبة.فرضي الله عنها وأرضاها وجمعنا بها في جنات الخلد .
تنبيه هام، المنشور يعبر عن رأي الكاتب ويتحمل مسؤوليته، دون ادنى مسؤولية علي الجريدة
تنبيه