أجمل من أن يتحقق

أجمل من أن يتحقق قصة للكاتب محروس عامر

أجمل .. من أن يتحقق ..

بقلم د محروس عامر

 

حائرة هي، تقف أمام مراتها وتصفف خصلات شعرها مرة إلى اليمين ومرة إلى اليسار وتتساءل …
هل حقا يحبني … ؟!
تستحضر صورته بمظهره الانيق، ونظارته السوداء وصوته الرخيم الذي ينفذ مباشرة داخل القلب، فتتوقف آلة التفكير لديها وتتبعه. غريب عليها ان تشعر بذلك … ولكنها مطمئنة وسعيدة فقلبها لا يرسل إليها تلك الوخزة التي توقظ حالة الانتباه لديها كما دأب أن يفعل في المرات السابقة.

معلومة تهمك

تواصل سحب فرشاة طلاء الرموش (الماسكرا) على رموشها الطويلة التي دائما ما تظن صديقاتها أنها رموش صناعية فتجيبهم بتلك النظرة التي يختلط فيها التعالي بالدلال. وتتبع ذلك بتحديد خط العين بالقلم الأسود بطريقة تشبه الملكات الفرعونيات فعيناها الواسعتان البيضاويتان تبدوان أكثر جمالا بهذه الطريقة … ويشرد ذهنها مرة أخري وتتخيل دخان سيجارته حين ينفثه في الهواء فتشعر بأن روحها تتعلق به وتطير معه إلى الأعلى إلى اللامحدود …

تضع حول عنقها نفس العقد الذي لبسته منذ شهور في حفلة تخرجها من كلية الآداب فهو هديه من أمها، صنعته بيديها من مجموعة من الأحجار الكريمة التي تتناغم مع بشرتها القمحية وعينيها السوداوين وشعرها المنسدل مثل رمال الوادي بعدما تغمره مياه المطر.
نعم لم يعدها بالزواج … ولم يلمح لها به … ! ولكنها تجد سكونها في عينية ويهدأ قلبها في وجوده. تتوق إلى رفيق درب تكمل معه حياتها ويبني معها مدينة احلامهما. فأحلامها واقعية ولن تمطره بأحلام خيالية ولن تصب عليه قطر عُقدِها النفسية، فقد استطاعت بعد مجهود أن تميّز بين حبها اللامحدود لوالدها وبين تصورها لشريك حياتها، فشربت حتى ارتوت من حنان الأب ورعايته وتعلمت من حكمته واتزانه واسلوبه في معالجة الأمور. أما شريك حياتها التي تريده هو في مثل عمرها يحمل ما تحمل هي من أحلام ولديه ما لديها من الخبرات المحدودة ومن الشغف اللامحدود.
وقد حققت ما استطاعت من أحلام الطفولة والمراهقة وتصالحت مع مالم تستطع تحقيقه، لا تحلم الآن بأن تذهب معه لحفل لتامر حسني ولا أن يأخذها لديزني لاند فقد أنهت بكل تصالح تلك المرحلة وبدأت تخطط بواقعية لحياتها المستقبلية وفي كيفية مزج أحلامها مع أحلامه وقدراتها مع قدراته ليبنيا سويا اسرة سعيدة.

كان “أكرم” يضبط رابطة عنقه ويضع زخات العطر على معصميه وعلى كتف الجاكيت الذي كلما نظر اليه يتصور خدها يلامسه فيرق قلبه ويربت بيده على كتفه برفق وحنين. يراجع أناقته واختياره للون الخاتم الذي في اصبعه والساعة
فبعد قليل موعده مع “ندى” … التي يراها أميرة فرعونية … بملامحها القوية وثقتها الملفتة وحنانها الذي يسلبه قدرته على التفكير، وعينيها القادرتين على الولوج في أعماق كيانه. سأل وكأنما يعد مسابقة لنفسه … ما أكثر ما يجذبني لها…؟
ويجيب … قوامها الممشوق ؟!، أم سلطانها الذي تفرضه بأناقتها على المكان ؟!
أم الإحساس بالقوة الذي ينتابه طالما كانت معه؟! …
يحدث نفسه … في الحقيقة انها تذكرني بأميرة فرعونية تدعم زوجها الملك وبأمنا خديجة (رضي الله عنها) وهي تربط علي قلب زوجها وتُذهِب عنه الخوف والهم. معها فقط؛ اشعر بأننا نكون كيانا واحدا. نعم معك فقط حبيبتي نكون كيانا كاملا.
تري صورتها تتراقص أمامها في المرآة، تسمع ضجيج في الشارع …
تنظر من خلال النافذة …
تتعالي أصوات الصرخات ويهتز المكان بعنف …
يرن الهاتف … تجد أسمه مكتوبا على الشاشة تفتح الخط …الو … الوو …
تسمع صوت ضجيج … وارتطام قوي ثم صمت يتخلله صوت انفاس ضعيفة … تسكن إلى تلك الانفاس تتوحد معها … تلصق الهاتف بأذنها … تسكن روحها …
تسقط على أرضية الغرفة ….
يقترب السقف … أكثر فأكثر… يحتضنها بعنف …
تغمض عينيها … تفلت أصابعها الهاتف…
تشعر بيد أكرم تمتد إليها فتتثبت بها وتتبعه …. إلى أعلى …
يتلاشى صوت الضجيج تدريجيا وتنقشع سحابات الاتربة المتصاعدة من انهيارات المباني …
يسبحان في فضاءات السكون … في العالم اللامحدود.
(تمت)
في ذكرى زلزال المغرب. 2023 #زلزال_المغرب

تنبيه هام، المنشور يعبر عن رأي الكاتب ويتحمل مسؤوليته، دون ادنى مسؤولية علي الجريدة

تنبيه

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

معلومة تهمك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

%d مدونون معجبون بهذه: