آفات طالب العلم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
يُمْكِنُ أن نُوجزَ آفات طَلَبِ العِلْمِ في الأمور التالية:
معلومة تهمك
(1) الرياء: الرِّيَاءُ مِن أخطر آفات العِلْم، لأنه يحبط ثواب العمل الصالح.
معنى الرياء :
الرِّيَاءُ: مُشْتَقٌّ مِنَ الرُّؤْيَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ إِظْهَارُ الْعِبَادَةِ لِقَصْدِ رُؤْيَةِ النَّاسِ لَهَا فَيَحْمَدُوا صَاحِبَهَا.وَالسُّمْعَةُ: مُشْتَقَّةٌ مِنْ سَمِعَ، وَالْمُرَادُ بِهَا نَحْوُ مَا فِي الرِّيَاءِ لَكِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِحَاسَّةِ السَّمْعِ وَالرِّيَاءُ بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ.
حذرنا الله تعالى مِن الرياء في الأقوال والأفعال وذلك في كثير من آيات القرآن الكريم , وبين لنا سبحانه أن الرياء يحبط الأعمال الصالحة.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر) (البقرة: 264)
وقال سبحانه: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً) (النساء 142)
(2) المعاصي:
ارتكاب المعاصي من الآفات التي تُؤدي إلى عدم التوفيق في تحصيل العلم النافع.قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «إِنِّي لَأَحْسَبُ الرَّجُلَ يَنْسَى الْعِلْمَ كَانَ يَعْلَمُهُ بِالْخَطِيئَةِ يَعْمَلُهَا» (العلم ـ أبو خيثمة ـ صـ31)
*كَتَبَ رَجُلٌ إِلَى أَخٍ لَهُ «إِنَّكَ أُوتِيتَ عِلْمًا فَلَا تُطْفِئْ نُورَ عِلْمِكَ بِظُلُمَاتِ الذُّنُوبِ فَتَبْقَى فِي ظُلْمَةٍ يَوْمَ يَسْعَى أَهْلُ الْعِلْمِ بِنُورِ عِلْمِهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ» (جامع بيان العلم ـ لابن عبد البرـ جـ1 ـ صـ261)
قَالَ الإمامُ الشَّافِعِيُّ:
شَكَوْتُ إلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي * فَأرْشَدَنِي إلَى تَرْكِ المَعَاصي
وَأخْبَرَنِي بأَنَّ العِلْمَ نُورٌ * ونورُ الله لا يهدى لعاصي. (ديوان الشافعي ـ صـ61)
(3) العُجب والتكبر على الناس:
العُجْبُ واغترارُ الإنسان بما يحمله مِن العِلْم واتخاذه وسيلة للتكبر على الناس من آفات ضياع العلم.فالتكبر مُهْلِكٌ لصاحبه، ولا يجتمع الكبر والعلم في قلب مؤمن.وحذرنا الله تعالى من الكبر وسوء عاقبته في مواضع عديدة في القرآن الكريم:
قال الله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) (البقرة: 34)
وقال جلَّ شأنه: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ). (الأعراف: 146).
(4) عدم العمل بالعلم:
إن عدم عمل طالب العلم بما يعْلَمه مِن أسباب ضياع العلم،وفَقْد هيبته من نفوس عامة الناس ،وفقدان الثقة بما يقول. وقد ذَمَّ اللهُ تعالى الذين يقولون ما لا يفعلون. قال الله تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (البقرة:44)
(5) الحسد:
معنى الحَسَد:
الحَسَدُ: هُوَ أَنْ يرَى الإنْسَانُ لِأَخِيهِ نِعْمة فيَتَمنَّى أَنْ تَزُولَ عَنْهُ وَتَكُونَ لَهُ دُونه. (النهاية لابن الأثير جـ1 صـ383)
حذرنا نبينا محمدمن الحسد لما يترتب عليه من مفاسد في الدين والدنيا.
روى الشيخانِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ)
(6) الجدل والمخاصمة:
الْجَدَلُ: هُوَ شِدَّةُ الْخُصُومَةِ. (مختار الصحاح ـ للرازي ـ صـ 55)
قَالَ الفَيومِيُّ: الْجَدَلُ: هُوَ التَّخاصُمُ بِمَا يَشْغَلُ عَن ظُهورِ الحَقّ ووُضُوح الصَّواب.
(تاج العروس ـ مرتضى، الزَّبيدي ـ جـ28 ـ صـ 194)
حذرنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خطورة الجدل والمخاصمة.
روى أبو داودَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا زَعِيمٌ (ضَامِنٌ) بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ» (حديث حسن) (صحيح أبي داود للألباني ـ حديث:4015)
معنى المراء:
الْمِرَاءُ: الطَعْنُ فِي كَلامِ الغَيْرِ لإظْهارِ خَلَلٍ فِيهِ، مِن غَيْر أَن يَرْتَبطَ بِهِ غَرَضٌ سِوَى تَحْقِيرِ الغَيْر.
(تاج العروس ـ مرتضى، الزَبيدي ـ جـ39 ـ صـ 525)
* قَالَ مُحَمَّدُ بنُ شِهَاب الزُّهْرِيّ: « كَانَ أَبُو سَلَمَةَ يُمَارِي ابْنَ عَبَّاسٍ فَحُرِمَ بِذَلِكَ عِلْمًا كَثِيرًا »
(جامع بيان العلم ـ لابن عبد البر ـ جـ1 ـ صـ 517)
* قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: «بَلَغَنِي أَنَّ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْمٍ شَرًّا أَلْزَمَهُمُ الْجَدَلَ وَمَنَعَهُمُ الْعَمَلَ»
(جامع بيان العلم ـ لابن عبد البر ـ جـ2 ـ صـ 933)
* قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: «لَا تُمَارِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ، فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ خَزَنَ عَنْكَ عِلْمَهُ وَلَمْ يَضُرَّهُ مَا قُلْتَ شَيْئًا»
(جامع بيان العلم ـ لابن عبد البر ـ جـ1 ـ صـ 517)
* قَالَ مَعْرُوفُ بْنُ فَيْرُوزَ الْكَرْخِيَّ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا فَتْحَ لَهُ بَابَ الْعَمَلِ، وَأَغْلَقَ عَنْهُ بَابَ الْجَدَلِ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ شَرًّا فَتْحَ لَهُ بَابَ الْجَدَلِ، وَأَغْلَقَ عَنْهُ بَابَ الْعَمَلِ» (اقتضاء العلم العمل ـ للخطيب البغدادي ـ صـ 79).
(7) كتمان العلم عن الناس:
كتمان العِلْمِ عن الناس يُؤدي إلى نسيانه وذهابه.لقد حذرنا اللهُ تعالى، وكذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن كتمان العلم.
قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) روى أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (حديث حسن صحيح)
(8) النسيان:
يعتبرُ النسيان مِن أعظم آفات العلم.وعلاج النسيان يكون بمراجعة العِلْم وتعليمه للناس، وترك أسباب ذهابه، كالمعاصي.
روى الدارمي عَنْ حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بنِ مَسْعُود «إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ آفَةً، وَآفَةُ الْعِلْمِ النِّسْيَانُ»
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
تنبيه هام، المنشور يعبر عن رأي الكاتب ويتحمل مسؤوليته، دون ادنى مسؤولية علي الجريدة
تنبيه