الدكروري يكتب عن النظر في آيات الوهاب
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله تعالى ذو الجلال والإكرام، مانح المواهب العظام، والصلاة والسلام على النبي سيد الأنام، وعلى آله وأصحابه وتابعيهم على التمام، الذي توكل صلى الله عليه وسلم على الله أعظم التوكل وقد قال الله له “فتوكل على الله إنك على الحق المبين” وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال “حسبنا الله ونعم الوكيل” قالها إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا له “إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل” رواه البخاري، ولقد لقي النبي صلى الله عليه وسلم بمكة من قريش كل أذى ووجد منهم كل معاناة، وربط على بطنه من شدة الجوع وسال دمه في الله، وهو يواجه كيد الكافرين بثبات يهز الجبال وعزم لا يتوقف عند حد فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أكبر من أن يذل في الشدائد.
حتى وهو مطلوب من أعدائه، وصبر وصابر على البأساء والضراء ولم يضعف عند قوي أو يتردد عند عظيم، فعن أنس رضي الله عنه قال ” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أُخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أُوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أتت عليّ ثلاثون من بين ليلة ويوم ومالي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال” رواه الترمذي، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن أمنّ الناس عليّ في ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا” رواه مسلم، وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديبية، ثم خرجنا راجعين إلى المدينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة” رواه مسلم.
معلومة تهمك
وعن أبي أسيد رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “خير دور الأنصار بنو النجار” رواه مسلم، فاللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آل محمد الطيبين المخلصين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين رضي الله عنهم بإحسان إلي يوم الدين، أما بعد يقول الإمام ابن القيم ” النظر في هذه الآيات الكونية وأمثالها نوعان، نظر إليها بالبصر الظاهر فيرى مثلا زرقة السماء ونجومها، وعلوها وسعتها وهذا نظر يشارك الإنسان فيه غيره من الحيوانات، وليس هو المقصود بالأمر، والثاني أن يتجاوز هذا إلى النظر بالبصيرة الباطنة فتفتح له أبواب السماء، فيجول في أقطارها وملَكوتها وبين ملائكتها، ثم يفتح له باب بعد باب، حتى ينتهي به سير القلب إلى عرش الرحمن، فينظر سعته وعظمته، وجلاله ومجده ورفعته.
ويرى السموات السبع والأرضين السبع بالنسبة إليه، كحلقة ملقاة بأرض فلاة، ويرى الملائكةَ حافين من حوله لهم زجل بالتسبيح والتحميد، والتقديس والتكبير، والأمر ينزل من فوقه بتدبير الممالك والجنود التي لا يعلمها إلا ربها ومليكها، فينزل الأمر بإحياء قوم وإماتة آخرين، وإعزاز قوم وإذلال آخرين، وإسعاد قوم وشقاوة آخرين، وإنشاء ملك وسلب مُلك، وتحويل نعمة من محل إلى محل، وقضاء الحاجات على اختلافها وتباينها وكثرتها من جبر كسير، وإغناء فقير، وشفاء مريض، وتفريج كرب، ومغفرة ذنب، وكشف ضر، ونصر مظلوم، وهداية حيران، وتعليم جاهِل، ورد آبق، وأمان خائف، وإجارة مستجير، ومدد لضعيف، وإغاثة لملهوف، وإعانة لعاجز، وانتقام من ظالم، وكف لعدوان، فهي مراسيم دائرة بين العدل والفضل، والحكمة والرحمة.
تنفذ في أقطار العوالم لا يشغله سمع شيء منها عن سمع غيره، ولا تغلطه كثرة المسائل والحوائج على اختلافها وتباينها واتحاد وقتها، ولا يتبرم بإلحاح الملحين، ولا تنقص ذرة من خزائنه، لا إله إلا هو العزيز الحكيم، فحينئذ يقوم القلب بين يدي الرحمن مطرقا لهيبته خاشعا لعظمته عانيا لعزته، فيسجد بين يدي الملك الحق المبين سجدة لا يرفع رأسه منها إلى يوم المزيد فهذا سفر القلب وهو في وطنه وداره ومحل ملكه، وهذا من أعظم آيات الله وعجائب صنعه، فيا له من سفر ما أبركه وأروحه، وأعظم ثمرته وربحه، وأجل منفعته وأحسن عاقبته سفر هو حياة الأرواح ومفتاح السعادة، وغنيمة العقول والألباب، لا كالسفر الذي هو قطعة من العذاب.
تنبيه هام، المنشور يعبر عن رأي الكاتب ويتحمل مسؤوليته، دون ادنى مسؤولية علي الجريدة
تنبيه