الدكروري يكتب عن النية في سائر العبادات
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله تعالى ذو الجلال والإكرام، مانح المواهب العظام، والصلاة والسلام على النبي سيد الأنام، وعلى آله وأصحابه وتابعيهم على التمام، الذي كان من حلمه صلى الله عليه وسلم هو ما روي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أدركه أعرابي فأخذ بردائه فجبذه جبذة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أثرت فيه حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك وأمر له بعطاء متفق عليه، وباع يهودي على النبي صلى الله عليه وسلم بيعا إلى أجل، فجاء اليهودي يريد أن يتقاضى حقه قبل الأجل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل الأجل، فقال اليهودي إنكم لمطل يا بني عبد المطلب، فهم به الصحابة رضي الله عنهم فنهاهم.
فلم يزده ذلك إلا حلما، فقال اليهودي كل شيء منه قد عرفته من علامات النبوة وبقيت واحدة وهي أنه لا تزيده شدة الجهل إلا حلما فأردت أن أعرفها، فأسلم اليهودي” رواه ابن حبان، فاللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آل محمد الطيبين المخلصين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين رضي الله عنهم بإحسان إلي يوم الدين، أما بعد فإن النية محلها القلب وهي التي نغفل عنها في تعبدنا وسائر أعمالنا، فلعلنا نخسر كثيرا من ثواب أعمالنا، بسبب أننا لا نستحضر نيتنا حين الفعل، فنؤدى بآلية، تفتقد إلى الخشوع، وتفتقر إلى الروح الإيمانية، فنلقى بأعمالنا إلى خواء، ونضيعها ونحن لا نشعر، ” إنما الأعمال بالنيات” وهكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلمنا أن النية هي الحد الفاصل بين العمل الخالص لوجه الله تعالى وبين العمل الذي يقصد به غير الله تعالى.
معلومة تهمك
فلكل عمل ظاهر، يوافق شرع الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو يخالفهما، وبهذا يكون صلاح العمل أو فساده ظاهرا، ولكل عمل باطن، قصد، نية، وبحسبه يكون الجزاء من الله عز وجل ومستقَر هذا الباطن هو القلب، تلك المضغة التي إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد ساير الجسد، فالنية هي روح العمل، وهي الموجهة له، أمور كثيرة اختلطت كسمة الواقع بطريقة يندى لها جبين الباحث عن الحقيقة، الذي ما ينفك يشمر ساعده عن جهد ما، حتى تداهمه خفافيش قلب الحقائق في عز الظهر، فتلين عريكته إن كان جهده عنوانه العادة، ويصمد في مواجهة أعتى الأمواج إن كان عنوان جهده العبادة، وفي شتى مناحي حياتنا، يبقى الفيصل في كل أمورنا، هو الإيمان بفكرة ما نبذله من جهد، عن قناعة ذاتية، وليس تقليدا لآخرين، هو التصرف في كل الأمور كعبادة.
وليس ركوبا للعادة، على غرار ما جاء فى سورة الزخرف” بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون” ولنتأمل قول الحق سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة الذاريات” وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون” ولندرك حكمة خلقنا، فقد وهبنا الله عقولا تفكر وتميز وتتأمل، ولسنا مضطرين أبدا أن نحصر أنفسنا فى نطاق هكذا جرت العادة، فالقدرة على التفكير السليم، وإعمال العقول بدقة تتناسب وقيمتها، تدفعنا لاختيار الأصلح لنا دينا ودنيا، وإنه فرق شاسع بين أن يذهب الموظف إلى عمله كعادة، وبين أن يذهب إليه كعبادة، في حالة العادة ترى الضيق والحنق وتعطيل مصالح العباد، وفي حالة العبادة، يكون انشراح الصدر وتوهج الفكر والرغبة في القيام بالعمل على أكمل وجه يرضي الله سبحانه وتعالى.
تنبيه هام، المنشور يعبر عن رأي الكاتب ويتحمل مسؤوليته، دون ادنى مسؤولية علي الجريدة
تنبيه