الوطن والحياة
كتبت : هدى بيبرس
إن حب الوطن غريزة فطرية مُتجذِّرة، فَطر الله عليها الإنسان؛ إذ يميل الإنسان بفطرته لحب المكان الذي ولد ونشأ فيه، والحرص عليه، والرغبة في الدفاع عنه ، ومشقّة تركه، وقد ظهرت هذه المعاني في جملة من الآيات الكريمة، التي جاءت على ذكر الخروج من البلاد وترك المساكن، وأن الجلاء من الوطن والمسكن قد يكون عقوبةً ؛ لصعوبته ومشقّته على النفس، إذ يقول الله تعالى :
(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ* الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّـهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّـهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّـهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ). [الحج، آية: 39-40]
“نعم إنه الوطن” ، يألَفُ فيه الإنسان أرضَه ولو كانت غابات مستوحشة، يألف فيه الإنسان أرضه ولو تحولت بحاره إلى لهيب، يألف فيه الإنسان أرضه ولو إختلط ماؤه بالدماء “نعم إنه الوطن” ، يستريح إلى البقاء فيه على عِلّاته ، يدافع عنه إذا هُوجِم، يغضب له إذا انتقص.
هواؤه له دواء ولو كان محمَّلاً بالغبار، وماؤه له حياة ولو خالطته الأقذاء والأكدار.
يقول الشاعر :
بلادٌ أَلِفْناهَــــا عَلـــى كُلِّ حالــــةٍ ** وقَدْ يُؤلَفُ الشيءُ الذى ليس بالحَسَنْ.
وَنَسْتَعذَبُ الأرضَ التِي لاَ هَوا بِها ** ولا ماؤُهَا عَــذْبٌ ولكِنَّها وَطَــنْ.
“نعم إنه الوطن ”
لقد ربط القرآن الكريم الوطن بمعادلة رائعة، وذلك حينما ساوى بين الموت وبين فراق الأوطان، في أكثر من موضع، ففي سورة النساء يقول الله تعالى مظهرا هذه المعادلة بين الوطن والحياة: “ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم”، وقال في سورة البقرة: “وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم”، فانظروا إلى هذا الربط بين الحياة وبين حب الوطن، وهذا الربط بين الموت وبين مفارقة الوطن ،” نعم إنه الوطن”.
كما ربط القرآن الكريم حب الوطن مع حب النفس، وحب الديار بحب الدين لأن كلا منها أمر متأصل في النفس البشرية عزيز عليها ، بل حكى الله عن نبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام الدعاء بالأمن والرزق لموطنه ، والذي يؤكد ما يفيض به قلب إبراهيم عليه السلام من حبه المستقر لعبادته وموطن أهله ، إذ الدعاء علامة من علامات الحب وتعبير عنه:
(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ). [البقرة، آية: ١٢٦].
معلومة تهمك
اللهم احفظ بلادنا، ورجال أمننا بحفظك، وكن لهم عونًا ونصيرًا وسندًا وظهيرًا، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين، وأدم على مصرنا الحبيبة نعمة الأمن والأمان في ديارنا وبيوتنا ونفوسنا، إنك وليّ ذلك وقادر عليه.
..
تنبيه هام، المنشور يعبر عن رأي الكاتب ويتحمل مسؤوليته، دون ادنى مسؤولية علي الجريدة
تنبيه